إدارة المشاعر والأفكار، بين الانكسار والانتصار.. حدثٌ وحديثٌ ”66“
تُعَدُّ أُولَى بَذرةِ المَشاعر، وإِطلالةِ صَحيفةِ الأفكارِ الظاهرتَين بجلاءٍ، في سِيماءِ وِجدانِ الفردِ، رَكيزةً غَازِيةً حَاضرةً، بشكلِها ”الخام“ المُتمكّن، في اقتحامِ هَامشِ ناصيةِ الفِكرِ، حَيثُ لا بُدّ لزخمِ وَقعِ حُضورِهما المُستحوِذ المَشهود، مِن شَحذِ وصَقلِ نزعةِ الاحتواءِ؛ واستنهاضِ صَحوةِ الفهم؛ واستيقاظِ يَقَظةِ التعقّلِ المُنقِذةِ استِرحَامًا، مِن غَبشِ التخبّطِ؛ والمُخلِّصةِ استِرضَاءً مِن مَصيرِ الضّياع، ثمّ إضفاء وإعمال مَراسِيم عمليتي ”الغربَلةِ والتنقِيةِ“ لتسلُك ريعُ استقامةِ، خُلاصاتِهما ”المُفلترة“ البِكر، في مُتّسعِ مَسالكِ ومَحَاجّ مَدروسةٍ - بسَعيٍّ كَادِح، ووَعيٍّ لَاحِبٍ - وهُنالِك، مَا بَين مَورِد الظُّهور، ومَشهَد الحُضور المُنتشِيَين، مَا يُشبِه فَورةَ اجتياحِ وُرُودِ المشاعِر الحُرّةِ الجَديدةِ، بميلادِ ”فَوجٍ“ جَديدٍ مِن حُشودِ كُريات الدمِ الحمراءِ الولِيدةِ توًا؛ لتَسرِي في عُمق الشرايين طُولًا وعَرضٍا؛ وتؤدِّي وَظائفَ ومَهامَ حَيويةٍ مُبرمَجةٍ؛ لتحُلّ مَحلّ نظيرَاتها الهَرِمةِ المُتقزّمةِ، بعد أنْ أفنَت الأولَى جُلّ رَبيعِ شبابِ عُمرِها الزمني الكادِح - بكَفاءةٍ ولِياقةٍ وقّادتَين - في إكمال الوظائفِ الدورِية، وإتمام المهامِ الفسيولوجِية؛ والقيام الأمثَل بالأدوارِ المُناطةِ بها... غيرَ أنّ لَبابَ رَكِيزةِ الفارقِ الأدائي المُكمّل، بين رَتِيبِ عَملِ كَوكبةِ كُرياتِ الدمِ الحمراءِ المُنتظمِ، ومَا يُقابلها - في وَجهِ الشبهِ القائم افتراضًا، مِن رَائق مُصفّى، مَداخِل حّلقات سِلسلةِ الخواطِر المُداهِمةِ؛ وفَائق مُنقّى مَنافِذ شريط الأفكَارِ ”الميكانيكيةِ“ التولّدِ، السّابحةِ اتّساقًا، بحريةِ صَرعةِ الانخراطِ المُباغتةِ لحظةً؛ والمُنجذبةِ اقترابًا، بعد اندلاعِ ثورةِ نزعةِ الانجرافِ التلقائي الشبيهَين المُتهوّرتين، في ثَنايا طيّات دَواخِل طَويّة النفس؛ ومِثلهما وُلوج النزعةِ المُتأصّلةِ الهاديةِ إصلاحًا، في صَيرُورةِ ”عَقلَنةِ“ أبجدياتِ السلوكِ الماثلِ... وهُنالك لَزِم الأمرُ السّديدُ الرشِيدُ، بانتهاج الأسلوبِ الفكري الدّارجِ الرَائجِ بالغربلةِ والتنقيةِ اللّازمَتين؛ لتقريبِ عَملِ المُشبّهَين، في بُلوغِ قِمّةِ رَيعانِ أدائهما؛ لتنتهِي في جَوفِ جَعبةِ إقفالِ مُحَصِّلتِهما الخِتاميةِ، جُملةُ الفَوارِقِ الواردةِ والشاردةِ؛ حيث يتشابهُ وافرُ رَصيدُ مَشهد نِسَب النتائِجِ المُتماثلةِ الشاخصةِ للمُشبّهين المُتجدِّدَين - الأفكار والمشاعر، وكريات الدم الحمراء - عَملًا وأداءً… في غَمرةِ بُلوغِ، وإجادةِ، وإنجازِ سَقفِ سَويّةِ ذلك النهجِ السلوكي القويمِ؛ وهُنالك يَكمِن - بتَبجّحٍ وتَمدّحٍ - سِرُّ الاستقامةِ؛ ويَسودُ في سَائر سُموّ مَناخِها المُعتدل مِفتاحُ سَمْتِ الألمعيةِ…!
هَذا، ولَا يَغيبُ عن ذِهنِ القارئ الكريم، أنّ مَؤونةَ سلّةِ الخَواطر الغازِيةِ، وقُوتَ سَفطِ الأَفكارِ المُنسابةِ بحريةٍ طَلقةٍ، تتسلّلا عُنوةً ظَاهرةً، بتدفّقٍ طَارقٍ، وهَرولةٍ مُتعجّلةٍ إلى مُحيّا ناصيةِ الفِكر، بتَزاحُمٍ، وتَنازُعٍ، وتصارُعٍ سِجال… وحِيندئذٍ، إمّا أنْ تُرَدّ - جُملةُ الخواطر والأفكار المُتواردة عَرَضًا - عَن بَكرةِ أبيها برِمّتها؛ أو تُطرَدُ - حِينَ وُرودِها - شرّ طَردةٍ؛ أو يتمّ استقبالها بسَحنتها الخام، على مَضَضٍ؛ لتُمحّصَ وتخضَعَ مُستسلِمةً، لرُوتين عمليات الغَربلةِ، والتنقيةِ، ثمّ الفلترةِ الآنية؛ وبالتالي تلِجُ طَواعيةً، في صَدرِ مَجلسِ ذائقةِ القَبولِ، وتُكرّم في طَليعةِ مَحفلِ الاستِحسانِ اللّائقين…! «وعند وُرودِ الاقترابِ المُباشرِ، مِن نواحي ضفّتي ”الانكسار“ أو ”الانتصار“ المُتاخِمتين، «تقفِز إلى ناصيةِ الذهنِ مَحاوِرُ العناصِرِ الثلاثةِ الرئيسةِ لمُكوّناتِ النفسِ وهي على نحوِ الترتيبِ التالي: مَلكةُ الفِكر، وجُملةُ المشاعر، ونَزعةُ الإرادة… ولعلّ مِرقاةَ عَقلنة الفِكر تنال نصيبَ كِفلها الأوفَى مِن نمِيرِ المُحتوَى الاعتِقادِي، والاجتماعِي، والعلمِي، مُدعّمةً، ومُؤيدةً، ومُحفّزةً بطريقةِ ”إستراتيجيةِ“ التفكيرِ العقلي الناقد؛ لتَتجلّى بإعجابٍ مَغبوطٍ؛ وتتكشّف باستجوادٍ مُبهجٍ، آثار وشواهد ذلك المنهج السلوكي القويم؛ ليُرَى رَيعَه مَاثلًا للعِيان، ومُؤطّرًا لمَناقبَ وخِصال ”شخصِيةِ الفردِ“ وسَط مُجتمعه؛ فلَا شذوذَ سُلوكيَّ فَاضحٌ، ولَا انحرافَ مَنهجيًّ وَاضحٌ، ولَا زَيغَ شخصيٍّ دَامغٌ، ولَا شائنةَ مَهينةٍ قَاطعةٍ، تكاد تدنو، أو تنال بقُبحها البيّن بتشويهٍ بقدحٍ؛ أو تظفر بوَصَمِها الدنيء بتشهيرٍ بطعنٍ؛ وعِندئذٍ تسمُو - بعِلمٍ وحِلمٍ - عِزّةُ وكَرامةُ النفسِ البشريةِ الآمِنةِ المُطمئنّةِ ”بانتصارٍ“ سَائدٍ؛ وتعلُو هِممُها السّاميةِ المُتألقةِ، بنجاحٍ رَائدٍ؛ وترتقِي بفلاحٍ سائدٍ، في حفاوةِ نقاءِ صَعيدِ جَادّةِ سُلوكِ الفردِ القويمِ، جُملةً وتَفصِيلًا!
هذا، ويتمثّل المِحور الثاني، فيما يَخصّ جُملةُ أطياف المشاعر والأحاسيس الوَاردةِ، والمُتسلّلةِ إلى ناصيةِ صفحةِ الذهنِ، وكيف يتمّ التعامُل الإيجابي الأمثل مَعها، في ضَوءِ مُجرياتِ سَلاسل الأحداثِ النّاشئةِ المُتغيرةِ، مِن حِينٍ لآخر… حيث هُناك مُتغيراتٌ رَاهنةٌ لَا إرادية مُستحوذة، مثل: مُستحدثاتِ الضغوط النفسية الضاغِطة، ومُستجداتِ درجة حرارة الطقس، وأثرهما على الحالة النفسية؛ وبعض التغيرات الهرمونية، مثل: استهلال الدورة الشهرية عِند النساء؛ أو سَيطرة مَظاهرِ الغَضبِ والتَوتّرِ الشديدين؛ وفقد قُدرة السيطرةِ على ضَبطهما؛ واتخاذِ وتنفيدِ القراراتِ السلبيةِ الخاطئةِ أثناء غزوِ فورةِ تلك المُتغيراتِ النفسيةِ والفسيولوجيةِ، وجُملةِ الآثارِ السلوكيةِ السلبيةِ، المُترتّبةِ على أنساقِ تلك القراراتِ ”الصارخةِ الشاطحةِ“ في مَناحِي أَصعِدةِ وعَقلِياتِ المجتمع...! وحيثُ إنّ النجاحَ في تَغيير ومَحو أصل بناء وبلورة الفكرةِ السلبية المُستعجَل، قُبيل اتّخاد وصُدِور القرار السلبي المُضاد، له أبلغ الأثر المنكُوس، في سُوءِ إدارةِ وتهذيبِ عقلنة السلوك، وُصولًا عقليًا مّسلّمًا إلى حاجةِ استبدالِ صرعةِ تلك التصرّفات الهَوجاء، بانتهاج فنّ إدارة المشاعر بشكل إيجابي، وتوجيه وتسديد ريع مِثاليات السلوك الاجتماعي السوِي... إدراكًا جَذريًّا مَرغُوبًا إلى سُموّ مَقامِ، ورِفعةِ استقامَةِ الإحاسيس الذاتية المُستقرّة، بمساعي مَكارِم الأخلاق النبيلة المُحبّبة، لأَذواقِ، وأَمزجةِ، ومَشاعر عامّة الناس؛ وهذا مَا يُعرَف بذكاء المشاعر، أو ”الذكاء الوِجداني“ ومِن مَحاسِن نهجهِ السائدِ الرائدِ، يتفرّع المِحورُ الثالث ”إدارة ضَبط الإرادة“ بشِقيها الرئيسين... أولهما ”الحِرمان“ المُعزّز لِقوّة الإرادةِ الضابطةِ، كفريضةِ الصّيامِ؛ و”الإمساكِ“ العقلاني المُلتزم عن اقتراف وإتيان مُنزلقات ومَغبّات سَلاسِل المعاصِي والذنُوب، امتثالًا لذائقةِ نزعةِ ”الشّخصَنةِ“ المَمقوتةِ، في اتّخاذ وصِياغة القرار الشخصي المُتعجّل؛ ومثل ذلك ظاهرة التعميمِ الذاتيةِ؛ ومِثلهم التخلِّي الواعي عن انتهاجِ النزعة ’القُطبيةِ ”الفكريةِ، بالحُكم على الأمُور، بنظرةٍ شخصيةٍ قاصِرةٍ؛ والتحلّي الظافرِ بعدمِ القفزِ الطائش المُتسرّعِ للاستنتاجاتِ الشخصيةِ“ المُغلّفةِ ”الهَامشيةِ؛ للحيلولةِ دُون الوُقوعِ في غَيابةِ مَغبّةِ أنفاقٍ مَحدودةٍ مُغلقةٍ بنسقِ التفكيرِ الكارِثي؛ وكَذا“ الالتزامً" المُعزِّز والضابِط للتحكّم في أنماط التصرّفاتِ، والأساليب والأفعالِ، وسائرَ الضوابطِ والقراراتِ العقلية الصادرة، والمُؤثّرة في عقلنة سَويَة دِيناميكيةٍ نهجِ السلوكِ الاجتماعي المَاثل المّنظور، بأطيافِ أنماطهِ المَحبوبةِ المَمدُوحةِ؛ وعلى نقيضِها المَستُور منها، بمظاهرَ طيشِ أساليبها، وطبيعةِ أعِنّتها المَذمَومة المَنبُوذة» * ودَليلُنا، قول المَولى الكريم، في مُحكم آي الذكر الحكيم: «وذَلَكَ بأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغيّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتّي يُغيِّرُوا مَا بَأّنْفُسِهِم وأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيْمٌ».