ممارسة أسلوب التربية اللطيفة قد تكون بالغة الصعوبة على الأمهات
بقلم آني بيزالا، أستاذ مساعد زائر في علم النفس، كلية ماكالستر في ولاية مينسيوتا الأمريكية
29 نوفمبر 2023
المترجم: عدنان احمد الحاجي
المقالة 336 لسنة 2023
Gentle parenting can be really hard on parents، new research suggests
Annie Pezalla، Visiting Assistant Professor of Psychology، Macalester College
November 29,2023
هل أنتِ من الأمهات اللاتي يمارسن أسلوب التربية اللطيفة [المترجم: أي صبورة وهادئة ولا تمارس العقاب بحق أطفالها]؟ [1 - 6]. فإن كنتِ كذلك فأنتِ بحاجة لأن ترحمي نفسكِ وأن تعطيها حقها من الراحة.
فكرة التربية اللطيفة [1 - 6] فكرة ليست بالجديدة بل كانت موجودة منذ ثلاثينيات القرن العشرين [7] ولكنها حظيت باهتمام متنامي خلال السنوات القليلة الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات [8] ، وكذلك في الكتب [9] والمجلات والصحف [10] .
على الرغم من شعبية هذا الأسلوب المتنامي من التريية، إلا أن ما لا يزال غير واضح هو ما يستلزمه أسلوب التربية هذا بالضبط. سارة أوكويل سميث Sarah Ockwell-Smith، التي وصفت نفسها بإنها المؤسِسة للتربية اللطيفة والمؤلفة لكتاب التربية اللطيفة وصفت التربية اللطيفة بأنها ”طريقة للحياة“ و”ذهنية“ ”تركز على مشاعر الطفل“. لكن هل هذا يعني عدم الصراخ عليه؟ وعدم معاقبته؟ كيف يختلف أسلوب التربية اللطيفة عن الأساليب التربوية الأخرى المعمول بها في تربية الأطفال؟ هل هي جيدة للأطفال؟ وبنفس القدر من الأهمية: هل هي جيدة أيضًا للأمهات؟
لاستكشاف ما تعنيه حركة التربية اللطيفة هذه، قمت أنا وزميلتي برفسور الدراسات الأسرية أليس ديفيدسون Alice Davidson بجمع بيانات من أكثر من 100 من الأمهات في جميع أنحاء البلاد ممن لديهن طفل واحد على الأقل يتراوح في السن ما بين 2 و7 سنوات. لقد طلبنا من هذه الأمهات أن يخبرننا عن أسلوب تربيتهن لأطفالهن، وكيف كانت ردة فعلهن عندما يسيء أطفالهن التصرف «الأدب». سألنا أيضًا عما إذا كن قد عرَّفن أنفسهن على أنهن ”يمارسن أسلوب التربية اللطيفة“. وبالنسبة لأولئك اللاتي يرين أنفسهن ”أنهن يمارسن أسلوب التربية اللطيفة“، سألناهن: ماذا من يقصدن بذلك الأسلوب من التربية؟
هذه النتائج الأولية، التي سيتم تسليم الورقة العلمية للنشر قريبًا، ينبغي أن تُفسر بشيء من التوخي والحذر نظرًا لأن تنوع عينتنا من الأمهات كان محدودًا.
ظاهرة إنترنتية
ما يقرب من نصف العينة من الأمهات عُرِّفت على أنها ”تمارس أسلوب التربية اللطيفة“. اللاتي عرفن أنفسهن على أنهن أمهات يمارسن أسلوب التربية اللطيفة كن تقريبًا من ذوات البشرة البيضاء - 84٪ - وحاصلات على تعليم عالٍ. الجانب المتباين الوحيد في ملفهن الشخصي كان سنهن. حيث تراوح سن المشاركات من 32 إلى 51 سنة، بما فيهن جيل X [الجيل المولود بين الستينات والثمانينات من القرن الماضي] وجيل الألفية [الجيل المولود بين 1981 و1996].
عندما سئلن عن كيف رباهن أمهاتهن كأطفال، وصفت هؤلاء المشاركات أمهاتهن بطرق مفرطة في البساطة، بمصطلحات مثل ”التربية القاسية [العدوانية وهي ما تنطوي على استخدام القوة والترهيب والإجراءات العقابية كوسيلة لتأديب الأطفال وتهذيب سلوكهم أو ضبط تصرفاتهم [11] ]“ و”التربية التي تنطوي على ردة فعل حادة تجاه سوء سلوك الطفل بما فيها ردود الفعل الغاضبة والعقابية [12] “. في المقابل، عندما طُلب منهن وصف طريقة تربيتهن لأطفالهن، استخدمن صفات أكثر بنسبة 50% مما استخدمن في جوابهن على السؤال الأول، بما فيها مصطلحات مثل: أن تكون الأم ”حنونة“ و”واعية“ و”قابلة بسمات طفلها الفريدة والاعتراف بها دون الضغط عليه لتغييرها“ وبالطبع ”لطيفة“.
بشكل عام، كان هناك مسألة ضمن أجوبة هذه الأمهات وهو أنهن سوف يقمن بتربية أطفالهن بشكل أفضل مما عملت به أمهاتهن لهن. وفي ردود مفصلة، ذكرت بعض المشاركات هذا الهدف بوضوح. أجابت إحدى الأمهات: «[منهجي في التربية هو] أن أفعل عكس ما فعلته أمي. لا أصفع طفلي ولا أعقابه جسديًا”. ربما تكون التربية اللطيفة أكثر من مجرد أسلوب تربية - فهي أيضًا رفض لأساليب التربية التي استخدمتها الأجيال السابقة.
التحولات في أساليب التربية من جيل إلى آخر ليست جديدة، منذ الحركة السلوكية [13] في العشرينيات من القرن الماضي - من التوصية بعدم احتضان الأم لطفلها! [14] - إلى نظرية التربية بالتعلق «التربية بالارتباط» [15] في التسعينيات من القرن الماضي - احتضنْ طفلك دائمًا! - إلى الحركة التربوية الأكثر حداثة في القرن الحادي والعشرين - اترك طفلك يعيش طفولته [16,17] «أين طفلي؟ - المترجم: اظنها استعارة لما ينطوي عليه هذا الأسلوب من نتائج لهذا الأسلوب من التربية لو ترك الطفل يعيش حياته مستقلًا».
كل حركة هي ردة فعل لنشوء وتطور معرفة / ثقافة ما. ومع ذلك، فإن تبنِّي نصائح التربية اللطيفة يبدو فريدًا من نوعه، لأنه على الرغم من شعبيتها على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها ليست وليدة المعرفة. لم يتابع الباحثون في مجال تنمية الطفل هذه الأسر لمعرفة مدى فائدة هذا الأسلوب في تربية الأطفال سواء بالنسبة للأطفال أو لأمهاتهم.
وفي محاولة للبحث عن تعريف عام، قمنا بتحليل الردود «الاجابات» التفصيلية لهذه الأمهات التي وصفت ما تعنيه عبارة ”التربية اللطيفة“ بالنسبة لهن. بالنسبة لمعظم الناس، تتعلق التربية اللطيفة في المقام الأول بالبقاء هادئًا في اللحظات الصعبة مع أطفالهم.
كتبت أم تبلغ 42 سنة لطفل وحيد يبلغ 3 سنوات أن التربية اللطيفة تعني ”أن تكون ردة فعلها على تصرفاته معتدلة - عدم الانزعاج الشديد أو التساهل بأكثر من اللازم، ومراقبة التوقعات وتعديلها دائمًا حسب احتياجات الطفل الشخصية وحسب الأجواء الاجتماعية والعاطفية.“ وكتبت أم تبلغ 35 سنة لطفلين توأمين يبلغان 6 سنوات تعني التربية اللطيفة ”أن أحاول عدم الصراخ وأن أحاول جادة التحكم في مشاعري حتى لا أتسبب بالأذية إلى مشاعرهما“. تعمل هاتان الوالدتان بجد للحفاظ على هدوئهما.
”التشبث بالحياة“
كان الموضوع الثانوي للتربية اللطيفة بين الأمهات اللاتي شملهن الاستطلاع هو تفهم مشاعر أطفالهن الكبيرة [المترجم: تشمل هذه المشاعر الكبيرة القلق والهم والخوف والإحباط والغضب والإثارة. وهذه المشاعر الكبيرة ليست سيئة، ولكن في بعض الأحيان قد تتطلب العمل على فهمها وإدارتها [18] ]. تصور طفلاً ينهد في نوبة صراخ في مركز تجاري. في بعض الأحيان، هذا التفهم يتضمن تصنيف الأم لمشاعر طفلها بقولها له: ”أتفهم أنك غاضب جدًا الآن“. أو قد تسمح لطفلها بالتعبير عن مشاعره بحرية: ”أبقي هذا المشاعر كما هي ولا أحاول تغييرها“. غالبًا ما أظهر المودة له: ”أسألهُ إذا ما كان يرغب في احتضانه / معانقته“.
هذه الأمهات كانت أيضًا على دراية جيدة بأدب التربية [بما فيها الأبحاث والكتب الصادرة في التربية، مثلًا]. استشهدت الكثيرات منهن بكتاب دليل التربية [19] المعنون ب Good Inside للمؤلفة بيكي كينيدي Becky Kennedy’ أوالفلسفات الواردة في هذا الكتاب من الباحثة التربوية في الطفولة المبكرة المشهورة عالميًا ماجدة غربر Magda Gerber في ردودهن على ما ورد في هذا الكتاب. لقد استخدمن مصطلحات دقيقة مثل ”يدًا بيد“ و”العنان اللطيف“ و”الوعي“ لوصف ممارساتهن التربوية. لقد قمن جميعًا بواجباتهن التربوية فيما يتعلق بكيف يصبحن مربيات لطيفات ممتازات.
ومع ذلك، لاحظنا موضوعين مثيرين للقلق في ردود هذه الأمهات. أولاً، لم تذكر واحدة منهن أنها ربت طفلها بمساعدة من صديقاتها أو عائلتها أو مجتمعها. ثانيًا، اعترفت العديد منهن، حتى قبل أن يُسألن، أنهن كن يحاولن جاهدات حتى يشعرن بالكفاءة المطلوبة للتربية. عندما طُلب منهن وصف أسلوبهن في التربية، قالت أم تبلغ 36 سنة ولديها طفلين دون سن الخامسة إنها غالبًا ما تشعر بأن ”ليس لديها ما تقدمه لهما“ وأنها ”أحيانًا تشعر بحمل حسي مفرط [20] لا تتحمله وتشعر بالإرهاق طوال اليوم وفي كل يوم“. وختمت قولها باعتراف بسيط: ”غالبًا ما أشعر بأنني فاقدة للسيطرة على الوضع“.
ولم تكن وحدها التي أعربت عن تلك المشاعر. وهنا بعض التصريحات التي أدلت به أخريات: حيث قالت واحدة: ”أنا متشبثة بالحياة.“ وثالث ثانية: ”أحاول أن أكون لطيفة، ولكن العمل التربوي طوال الوقت وما أتعرض له من الضغوط جراء ذلك وعدم توفر حتى القليل من المساعدة قد يكون مجهودًا صعبًا لا أتحمله.“
قدمت أكثر من 40% من ”الأمهات اللاتي يمارسن التربية اللطيفة“ هذه الاعترافات، مما سلط الضوء على أن هذه الأمهات لم يكن في كثير من الأحيان لطيفات مع أنفسهن. لقد كن في كثير من الأحيان مرهقات، وغير مطمئنات، بل وقاسيات على أنفسهن، ووحيدات في مشاعرهن.
أسلوب التربية هذا قد يضر أكثر مما ينفع؟
نقوم حاليًا بتوسيع عينتنا بهدف توظيف مجموعة أكثر تنوعًا من الأمهات - ليس فقط من حيث العرق أو الإثنية ولكن أيضًا على مستوى التعليم. نريد دراسة ما إذا كانت ظاهرة التربية اللطيفة هذه تقتصر في المقام الأول على الأمهات من العرق الأبيض المتعلمات تعليمًا عاليًا. نخطط أيضًا لمتابعة هذه العائلات عبر الزمن لاستكشاف مدى استدامة أسلوب التربية اللطيفة هذه ومراقبة أداء أطفالهن. ونحن نتساءل: هل سيتمتع أطفال هذه الأمهات، اللاتي مارسن التربية اللطيفة، بضبط النفس [21] الذي كانت تتمع به أمهاتهم؟ أم أن هؤلاء الأطفال سوف يقتصرون فقط على ضبط النفس الذي مارسوه هم على أمهاتهم؟
وإلى أن نقوم بتحليل تلك البيانات، فإن رسالتنا إلى هذه الأمهات قصيرة ولطيفة: تساهلن مع أنفسكن ولا تقسين عليها. أيضًا، تفضلن وخذن تلك الغفوة فأنتن بحاجة لها.