ثمانية.. تسعة.. عشرة.. مليون.. مليار
جلبت الرقمنة الكثير من كل شيء، وأفضل ما جلبت أنها حررت المُتلقي من تشكيل جدوله وفقاً لما تمليه قنوات البث. لعل“جيل الطيبين”يتذكر كيف كنا نتحلق حول التلفزيون لمشاهدة المسلسل اليوم، وكيف أن الأسر كانت تختار تلك الفترة لتتحلق حول السفرة وحول الشاشة؟ أو أن ترتب جدول اعمالك لتستمع لنشرة الأخبار عندما تدق الساعة، تحرك ابرة المذياع وتستمع لإذاعتك القريبة أو على الموجة القصيرة لتصطاد المحطات البعيدة.
تلك أيام وذكريات مكانها المتاحف والمدونات التاريخية. أما التحول للرقمنة فقد جلب لنا“المرونة”بأن تستمع عندما ترغب، وتشاهد عندما تريد، ولا فرق إن كان مصدر المحتوى قريب أو عابر للمحيطات، فه. متاح لك عندما تملك الرغبة والوقت.
ماذا يعني هذا؟ يعني أن عليكَ ان تقرر ماذا تريد من محتوى؛ فمثلاً تريد متابعة أخبار البورصات العالمية من عدة مصادر محلية ودولية، وأن تتابع عدداً من خبراء الاقتصاد ومحللي الأسواق المالية، أو المحطات اليابانية أو الصينية. أنت من يختار وينتقي. وبوسعك أن تشترك فيما تختار فتصلك مباشرة، وبوسعك أن تسلسلها لتستمع لها تباعاً، في انسب الاوقات لكَ أنت وليس لمحطة البث الاذاعي أو التلفزيوني، فتلك أيام مضت.
نعود للبودكاست. تُعَدّ صناعة البودكاست نشاطاً اعلامي عالي النمو، حيث تقدم محتوى صوتي“عند الطلب”. وقد أكسبت هذه الميزة «عند الطلب» البودكاست شعبية هائلة في السنوات قصيرة، إذ يقدر عدد المتابعين بأكثر من 2 مليار مستمع حول العالم ويتم تحميل حلقات بودكاست جديدة كل ثانية، ويتجاوز معدل النمو المركب 25 بالمائة سنوياً، وفقاً لبعض التقديرات.
وما يعزز الزخم المتزايد على البودكاست توافر الهواتف الذكية وانخفاض تكلفة الاتصال بالنت، وخدمات البث، وسهولة الاستماع عند الطلب، ومجموعة متزايدة ومتنوعة من المحتوى المتاح تناسب الاهتمامات كافة والفئات العمرية على تفاوتها والتفضيلات الاجتماعية، إذ تغطي المدونات الصوتية «البودكاست» مجموعة واسعة من المواضيع، بدءاً من الأخبار والمواضيع السياسية والاقتصادية وسواها مثل الصحة والتاريخ والثقافة والموسيقى والهوايات وتطوير المهارات.
نعم هناك ما يناسب الجميع، لكن الأمر ليس متروك للصدفة، حيث تقوم كل من المؤسسات الإعلامية الراسخة والمبدعين المستقلين بإنتاج ملفات بودكاست جذابة وغنية بالمعلومات، وكثير منها يتتابع نشره بوتيرة منتظمة؛ كل ساعة كالأخبار أو يومياً كمسلسلات الدراما على سبيل المثال.
مالياً، تحقق صناعة البودكاست إيراداتها من مصادر مختلفة، بما في ذلك الإعلانات والرعاية والاشتراكات والأحداث الحية، حيث يقدر حجم سوق البودكاست العالمية بقرابة 20 مليار دولار، وما هي إلا البداية. وعلى الرغم من نجاحها الملحوظ، تواجه صناعة البودكاست تحديات عدة، مثل اكتشاف وتطوير المحتوى، والمنافسة من القنوات الصوتية الأخرى ومنتجاتها من محتوى، وضمان التعويض العادل لمبدعي المحتوى الصوتي. ومع ذلك، فالإقبال على البودكاست متنامي، مع توقع استمرار الابداع ونمو الشعبية.