كيف أحب فردريك نيتشه القدر
24 فبراير 2017
المترجم: عدنان احمد الحاجي
المقالة 334 لسنة 2023
How Nietzsche loved fate
24 February 2017
المقال المترجم يحتاج إلى مقدمة حتى تتشكل عند القارىء بعض الخلفية عن الشخصية وموضوع البحث
يقول المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري: "فريدريك «فريديرش» نيتشه فيلسوف علمانى عدمي ألمانى وأول من عبر بشكل منهجى وصريح عن النزعة التفككية فى المشروع التحديثى والاستنارى الغربى الذى يدور في إطار العقلانية المادية، ومن ثم فهو فيلسوف الاستنارة المظلمة واللاعقلانية المادية بلا منازع. وقد كان ابناً لواعظ بروتستانتى، درس الأدب الألمانى والديانات وفقه اللغات الكلاسيكية. وعين أستاذًا لهذه المادة الأخيرة فى بازل بسويسرا. أصيب بالزهرى. فعاش فى شبه عزلة وظل الناس يتجاهلون كتاباته حتى بدأ الناقد الدنماركى ورج براندزفى إلقاء محاضرات عنها فى كوبنهاغن عام 1888. واكتسب نيتشه شهرة عالمية واسعة دون أن يعلم بذلك، وأصيب بانهيار عقلى وبدني فى يناير 1889. وبقى مجنونًا حتى وافاه الأجل [1] .
وكتب ابراهيم الحيدري مقالاً في جريدة الشرق الأوسط عدد 8086 الصادرة في 17 يناير 2001 ما ملخصه: ”عاش نيتشه حياة صاخبة مملؤة بالقلق والتشاؤم والعدمية وبافكار راديكالية متأثراً بآراء شوبنهاور وفاغنر. في كتابه «أصل الأخلاق» الذي صدر عام 1887، يعتقد نيتشه أن في العالم اقوياء وضعفاء وسادة ومسودين وطيورًا وجوارح وحيوانات مفترسة وحملانًا، تجمع بينهم علاقات مادية بحتة يغيب عنها أي عنصر اخلاقي. وفي هذه العلاقات يفسر الضعيف قوة خصمه على انها قسوة لكي يفلت من علاقات القوة التي ليست في صالحه. كما رأى بأن الكون ساحة تتصارع فيها الارادات، وان الصراع الهادف إلى السيطرة يظهر بوضوح في جميع مظاهر الحياة. ويهدف من ذلك إلى جعل الحياة «مختبراً للمعرفة» فبالعاطفة التي تسكن القلب يمكن للانسان لا أن يعيش بشجاعة فحسب، بل أيضًا يمكن أن يعيش بمرح وأن يضحك بفرح، ومن لا يعرف كيف يضحك ويمرح ويعيش جيداً لا يعرف كيف يقاتل ويعيش؟ وهدفه كان تعرية الغريزة البشرية في الأخلاق من اجل هدم الأخلاق البرجوازية وتعريتها عن حقيقتها، وبهذا فالأخلاق عنده ليست سوى استراتيجية للدفاع عن مصالح محددة تمنع الفرد من اطلاق العنان لرغباته،“
من ناحية أخرى. الحب القدري هو مصطلح يعبر عن حب المرء لقدره ويستخدم لوصف موقف حيث يرى الشخص كل شيء في حياته بما في ذلك معاناته وخسارته على أنه شيء جيد أو على الأقل ضروري، وفِي ذلك يعتبر من ضمن حقائق حياته سواء أحبها ام لم يحببها ولذلك يرضى بها [2] .
أحد المفاهيم الأساسية في أعمال الفيلسوف فريدريك نيتشه هو: الحب القدري «أو حب الشخص لقدره amor fati أو love of one's fate». طالبة الدكتوراه حينئذ هيدويغ غاستيرلاند Hedwig Gaasterland حللت المصطلح وخلصت إلى أن نيتشه لا يحبذ التفسير الرواقي لهذا المفهوم. مناقشة بحث الدكتوراه للطالبة غاستيرلاند تمت في 1 مارس 2017.
في جميع أعماله، ذُكر مصطلح الحب القدري عشر مرات فقط. ومع ذلك، يُعتبر ”الحب القدري amor fati“ أحد المفاهيم الأساسية عند فريدرك نيتشه «1844 - 1900». حاول الباحثون ولسنوات عديدة معرفة كيف ينبغي أن يُفهم هذا المصطلح، لأسباب ليس أقلها فكرة تبدو أنها أتت مباشرة من الرواقيين [3] ، والرواقية حركة فلسفية ازدهرت في اليونان في قرون ما قبل الميلاد.
وتخلص طالبة الدكتوراه هيدويغ إلى أن المفهوم على الأرجح ليس مشتقًا من الرواقيين. بل انه استنتاج مدهش لأنه على الرغم من أنه مصطلح للحب القدري لا يُذكر في كثير من الأعمال في ذلك الزمن، الاّ ان الفكرة تتلازم بقوة مع أعمال الرواقيين المعروفة مثل أعمال سينيكا [4] Seneca وأبكتيتوس [5] Epictetus وماركوس أوريليوس [6] Marcus Aurelius. هؤلاء الفلاسفة كانوا مقتنعين بأن كل شيء في العالم هو محتوم سلفاً، وأن الحرية الوحيدة التي يمتلكها الرجل هي في كيف يرضى بقدره ويستسلم له.
عندما طرح نيتشه هذا المصطلح، لأًول مرة في عام 1881، كان رافضاً بالفعل لفلسفة الرواقيين، كما توضح غاستيرلاند. "نيتشيه قد درس أعمالهم في السابق، لكنه خلص في النهاية إلى الاستنتاج الذي مفاده أن الرواقيين كانوا قد بدأوا بشكل اعمى في أحد تفاسير الحقيقة فقط، وأنهم التزموا بشكل وثيق بهذا التفسير. ونتيجة لذلك، كان الرواقيون الناسكون في الواقع خانعين ومقيدين كما كان المسيحيون في عهد نيتشه، وكانت ردة فعله قوية تجاه هؤلاء الرواقيين الناسكين. وكان يعتقد أن التركيز المفرط على كبت المشاعر من شأنه أن يؤدي إلى شكل من أشكال الأخلاق غير الأبالية والمتحجرة.
من عام 1881 بدأ نيتشه بالتحذير من كبت المشاعر، لأنها ضرورية في البحث عن المعرفة. تقول غاستيرلاند: ”التعطش إلى المعرفة تتمثل في أن نختبر حقيقة أكبر عدد ممكن من وجهات النظر. وهذه هي الطريقة الوحيدة لتوضيح أي الخصائص يحتاج المرء إلى حيازتها ليكون قويًا وقادرًا على تحمل حقائق صادمة. في ذلك الوقت، لم يكن القدر «fatum» مفهومًا شموليًا“.
غير نيتشه أفكاره في حوالي عام 1888، كأي فيلسوف متقلب إلى حد ما حيث كان عرضة لأن يقوم بذلك. في ذكره الأخير للحب القدري
لم يعد ”القدر“ مجموعة من وجهات نظر مختلفة، بل كان جامعاً مانعاً بشكل مفرط. ويشمل كلًا من تاريخ العالم «بما في ذلك أكثر الأحداث ترويعاً»، والدور الخاص لنيتشه في هذا التاريخ، وهذا أمر مهم وحاسم في رأيه. في هذا السياق، الحب القدري يعني أن يعتقد به كله - أو يتقبله كله.
مرادفات الحب القدري
كجانب من بحثها، درست طالبة الدكتورا غاستيرلاند أعمال نيتشه بأدق التفاصيل. وقالت إنها لم تدرس فقط مفهوم الحب القدري، ولكنها أيضا درست جميع ما في حكمه «مرادفاته» في الألمانية واللاتينية، fatum «القدر»، schicksal Liebe «حب القدر» [7] وذلك بوضع هذين المصطلحين في سياق أوسع، استطاعت طالبة ألدكتوراه ربط المراجع التاريخية والنصية. تقول الطالبة غاستيرلاند: ”نتشيه يتحداك باستمرار، كتاباته استفزازية وغالبًا ما تكون متناقضة. ونتيجة لذلك، هناك طبقات مختلفة لأعماله، والتي في بعض الأحيان تجعله غير مفهوم «غامضًا» إلى حد ما. وهذا ما جعل نيتشه كاتباً رائعاً، سواء أقرأت له أم حللت كتاباته.“