آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

القسوة، الدلال، السيرة.. في التربية

سلمان العنكي

خير الأمور الوسطية

الاعتدال مطلب عام، ما رافق شيئاً إلا زانه، ولا خلا منه إلا شانه. في إكرام الضيف، عند المخاصمة، في المديح، حال الغضب والرضا - ما عدا العلم خارج المنظومة كلما زاد قل هل من مزيد - والتربية هي محور مقالنا هذا.

أولاً: القسوة

القسوة هي استخدام القوة المفرطة أكثر من اللازم، أو لا تناسب الموقف وعقل المقصود والفئة العمرية والوضع الاجتماعي والزمان، أو تكون جاهلية تقليدية غير مدروسة بعيدة عن التعاليم الشرعية وضوابطها وما يوصي به علماء الاختصاص، وربما تنافي مبادئ الأخلاق الكريمة.

كل هذه الأساليب القاسية تأتي بنتائج عكسية تصل لدرجة الانحراف والفشل، وإلى حد الخروج عن الاستقامة. فالضغط الزائد يسبب الانفجار، ويدمر صاحبه ومحيطه.

ومن الأمثلة على القسوة المذمومة:

- منع الطفل من مصادقة الآخرين.

- إجباره على ملازمتك أين تذهب.

- عدم السماح له بالاعتماد على نفسه حتى بعد بلوغ سن الرجولة.

- اختيار حاجاته الخاصة حتى البسيطة منها.

- حرمانه من الانضمام إلى الأندية الشبابية المفيدة.

- عدم السماح له باستعمال الأجهزة الحديثة.

- منعه من الذهاب مع رفقاء المدرسة وزملاء العمل في رحلات.

هذه الأساليب القاسية تبعده عن حياة اليوم واختيار الأصلح منها، وتعيده لما نسيه الدهر.

كما أن للمريض علاجاً يختاره الطبيب ليشفيه، كذلك التربية يجب اتباع الأسلوب النافع المناسب الذي يصلح ولا يفسد. قد يختلف هذا عن ذاك، لكنه الأنفع له.

أُدخل ثلاثة جناة بجرم واحد على الوالي، فأمر بحبس الأول وجلد الثاني، واكتفى بنظرة لوم للثالث. فسُئل الوالي لماذا اختلاف العقوبة والجناية واحدة؟ فقال: مَن سجناه لا يرتدع ويكرر، ومَن جلدناه يغادر بلدنا دون رجعة، أما الأخير لن يعود لمثل ما عمل حياءً، فكان كما قال.

فإذا أردت أن تكون مربياً موفقاً، فلا تكن قاسياً، بل كن معتدلاً في تربية أبنائك.

ثانياً: الدلال

الدلال يوصل للإهمال، وكلاهما لا يجدي نفعاً. فالمهمل من اعتماده على نفسه قد يلاقي ناصحين يغيرون من سلوكه للأحسن، أما المدلل فيبقى يعتمد على مربيه.

ومن الأمثلة على الدلال المذموم:

- صرف الأب على ابنه المدلل كل شهر خمسة آلاف ريال وهو في السجن.

- عدم تأديب الابن المدلل حتى لو ارتكب خطأ كبيراً.

- السماح للابن المدلل بالتصرف بحرية دون حدود.

هذه الأساليب الدلالية تشجع الابن على ارتكاب المحظورات، وتجعله شخصاً غير مسؤول وغير قادر على مواجهة الحياة.

ثالثاً: السيرة

السيرة هي المدرسة العملية والمثل الأعلى أكثر تأثيراً من القول. فإذا أردت أن تنجح في تربية أبنائك، فكن حسن السيرة، وعلم بهم، ولا تأمر بقول تخالفه أفعالك.

- فإذا كنت تدخن، فلا تمنع ابنك من التدخين.

- وإذا كنت تكذب، فلا تعاقب ابنك على الكذب.

- وإذا كنت تعادي إخوانك، فلا تطالب ابنك بالإخلاص لإخوانه.

فقولك لا يؤثر في ابنك كما يؤثر فعلك.

يقول أبو الأسود الدؤلي:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيما

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

أنت تزرع فاختر لنفسك أفضل الروائح، لتشم عبقها وأجمل الزهور لتسرك عند رؤيتها.