آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

الحيادية.. إما قرار عادل وإما قرار ظالم

زكريا أبو سرير

قال الله تعالى في كتابه الحكيم: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا سورة الإنسان آية 3، وعن رسول الله ﷺ قال:“انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً“قيل: يا رسول الله، هذا أنصره مظلوماً، فكيف أنصره إذا كان ظالماً؟ قال:“تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره".

الحيادية أو الحياد هو طابع سلوكي اجتماعي فكري يتخذه بعض الأفراد أو بعض الجماعات، وهو يعني الميل أو العدول، وقد يذهب اتخاده إلى مواطن أبعد من ذلك، أي ربما يتحول إلى موقف حيادي اتجاه موقف ما، لربما يكون موقفاً حياديّاً إعلاميّاً أو سياسيّاً أو دينيّاً أو اقتصاديّاً وما شابه ذلك، ولكي يطبق هذا المفهوم بشكل أوضح على المحايد عدم الميل إلى طرف من أطراف النزاع ولو بالشكل الظاهري، ولكي يبقى المحايد على هذا المعنى ينبغي عليه عدم إظهار تضامنه مع أي طرف من أطراف النزاع.

ولا أريد هنا الخوض في كل أشكال الحيادية، ولا في مواقعها المتنوعة، بل ما أريد التركيز عليه الحيادية في عيون المجتمع وفي قالبها الاجتماعي، هذا الجانب في ظني ما يلمسه معظم الناس في حياتهم سواء على الصعيد العائلي أو الاجتماعي، وهذا ما قد يسوقنا إلى تساؤل هل الحيادية في واقعها الاجتماعي والحياتي نافعة وإيجابية أم إنها تقود إلى شكل من الأشكال الاجتماعية السلبية والضارة سواء في بعدها الحيادي في الحاضر أو المستقبل، ولعله يترك وراءه أثراً سلبيّاً بعيداً في حياة الإنسان بحيث يصعب على الذاكرة الإنسانية نسيان ذلك الموقف السلبي الحيادي الذي قد اتخذه أحد الأطراف دون حساب للعامل الإنساني والزمني.

لو تأملنا في الآية الكريمة من سورة الإنسان كأنما الله سبحانه وتعالى يخبرنا ويذكرنا فيها عن أمر مهم، عن نعمة إلهية وإنسانية مهمة وهي نعمة «الحرية» المتمثلة بصورة الخيار، تقابلها نعمة أخرى وهي نعمة العقل الذي يمثل جوهر الإنسان والإنسانية الذي زانه الله بالعصمة أي من عدم الوقوع في الزلات والأخطاء، لهذا أصبح العقل الحجة البالغة علينا وبه تستكمل تلك النعمة على الإنسان وتصبح أكبر النعم التي أعطاها إياه ربنا سبحانه وتعالى، والعقل البشري عبر عن جهاز باطني يدير الأمور بالحكمة وبدقة متناهية، بحيث وهبه الله سبحانه القدرة على التميز بين النافع والضار، أي كاشفاً عنه ستار الخطايا بصورها الفردانية والجمعية، عبر وسيلة التفكر والتأمل قبل الإقدام على أي عمل، وإذا تكابر بعض الأحيان الإنسان على نتائج عقله بعد تفكير وتأمل ومشورة عاش في صراع مع أهوائه ورغباته ونزواته التي مصيرها الخذلان، وعند سلوك طريق آخر خلاف تلك النتائج العقلية السليمة فهو بذلك لا يتحمل عواقب قراره الفطري السليم فحسب، بل ما يترتب عليه كذلك، فالحيادية في الأمور الواضحات والمسلمات بها كشمس في رابعة النهار لا يقبل الحيادية فيها، بل تشكل الحيادية فيها جريمة إنسانية.

وكذلك هذا المفهوم بينه رسول الله ﷺ في الحديث الشريف في فهم طريقة كيفية نصرة الإنسان لأخيه، سواء كان المقصود الأخوة البيولوجيّة أو الأخوة في الإنسانية كلاهما يصلنا إلى نفس المراد في شكل النصرة التي وجهنا بها رسول الله ﷺ بالصورة الإيجابية المتوافقة مع العقل التي ترفض فيها الحيادية حين قيل: يا رسول الله، هذا أنصره مظلوماً، فكيف أنصره إذا كان ظالماً؟ قال:“تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره".

إذن لو نظرنا للجزئية الأولية وهي المظلومية إذا تبين ذلك بالفعل هنا لا خلاف في نصرة الأخ لأخيه وبدون أي تردد وبالسرعة الممكنة وبالحكمة، ولكن في الجزئية الثانية أنصره ظالماً!! نعم وذلك عبر الموعظة الحسنة والقول الحسن والفعل الجميل وبهذه الصورة تكون قد أنقذت أخاك من الوقوع في شبك الظلم والضلال، والظلم كما يقال ظلامات متلاطمة لا نهاية لها فضلا عن إنقاذك له عن خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة.

وقد يصادف بعض الأحيان من يسيء فهم الحيادية عندما نرى من يمارسها بصور سلبية، وهذا يعكس لنا عن مدى انحطاط وانحدار تفكير هذا الشخص، وبالخصوص إذا تحجج بحجج واهية لا يقبلها عقل ولا دين ولا أخلاق ولا حتى عرف اجتماعي، ولعلة اتخاذ منهج الحيادية في غير مكانها وعندها تكون كاشفة عن معدن هذا الإنسان التي كان يتلبس بقناع مزيف خلاف ما كان يبطنه في داخله تجاه الآخر، ولربما كان يتستر بهذا القناع زمناً طويلاً ويعيش بين الناس بشخصية مختلفة بعيدة عن الواقع، ولكن جراء موقف معين يفشل في اتخاذ القناع المتوافق مع شخصيته الحقيقية التي كان يغطي بها سوأته التي تكشفت عن زيفها، ولعل الكثير كان يظن أن ذلك الشخص المزيف كان أقرب لهم من حبل الوريد، وإذا بهم يكتشفون حقيقة مرّة عن شخصية ذلك المخادع المنفعي الذي لم يحسب لمثل هذا القرار التي اتخذه أو مال له أي حساب، بل مثل هذه الشخصية تسقط كل اعتبار في سبيل المنفعة الشخصية، فالحيادية هي قرار وخيار إما أن تكون قراراً عادلاً وإما أن تكون قراراً ظالماً، فهذه المعادلة الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية لا تقبل المساومة على حساب ظلم الآخرين.