المصدر الحقيقي للنهضة والتطور
لو أمعنا النظر والتفكير بمقولة الإمام علي بن أبي طالب ”ليس اليتيم من مات والده، إن اليتيم يتيم العلم والأدب“، حقيقة يعجز العقل البشري عن إدراكها. مقولة عمرها أكثر من 1400 سنة تصف بالدقة المتناهية عن ربط والربط الوثيق بين الإنجاز العلمي بالأدب. تملك أبعاد كثيرة ومتعددة، ليس من الجانب العائلي والروحي فقط، بل بكل تأكيد تمتد إلى النواحي الإنسانية، الدينية، الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية والدائرة تطول إلى يوم الدين. فنجاح وتطور إلى أي أمة ودولة وقطاع وفرد مربوط بالتقدم العلمي والأخلاقي.
يتباهى الغرب بتقدمه العلمي، ويعزيه إلى عبقرية علمائه، فالعالم الغربي منذ زمن غير بعيد عاش صراعات مريرة مع المؤسسات الدينية الكنسية، وثار مثقفوه ضد تسلط رجالها ورفضهم للتطور والحداثة، ووقع الخلط بين الدين والأحكام الدينية التي لم تعد مناسبة للزمن، وفضل الغرب أن يلقي بالدين بكامله وراءه، وأن يسير في مسالك المناهج العلمية المادية، ويترك أمور العقائد والشؤون الروحية للحريات الشخصية.
ولكن مسيرة العلم الحديث في الحقيقة لا يمكن فصلها عن تاريخ الغرب الاستعماري الذي كان العلم جزءا أساسيا في تمكينه وتوطيده، في ظل البعد الديني واستخدام مصطلح ”التفوق الأبيض“ ضد الشعوب المستعمرة. فإن أي بعد عن المنظم الرئيسي للحياة ”الأديان السماوية“ سوف يولد الصراعات والفجوات الإنسانية والأخلاقية.
على سبيل المثال: كان ”السير رونالد روس“ قد عاد للتو من رحلة استكشافية إلى سيراليون حيث قاد الطبيب البريطاني الجهود لمكافحة مرض الملاريا الذي قتل العديد من المستعمرين الإنجليز في البلاد. في عام 1899 ألقى روس محاضرة في غرفة تجارة ليفربول حول تجربته، حيث أعلن بأن "نجاح الإمبريالية في القرن القادم سوف يعتمد إلى حد كبير على النجاح الذي سنحرزه من وراء المجهر «أي البحث العلمي». كان من بين دوافعه اكتشاف ما قد يساعد في حماية الجنود والمسؤولين البريطانيين في المناطق الاستوائية من المرض؛ لأن هذا بدوره سوف يمكن بريطانيا من توسيع وتعزيز حكمها الاستعماري.
وفي المقابل كانت الصين تعيش يوماً من الأيام حالة من البؤس والفقر والبعد عن المعرفة، أما الآن فقد تمكنت من الصعود على مدى العقود الثلاثة الماضية من انتشال الملايين من الفقر المدقع وفقاً للبنك الدولي 2009: بين عامي 1981 و 2004 انخفض أولئك الذين يستهلكون أقل من 1 دولار يومياً من 65% إلى 10% من السكان.
واليوم، هناك أكثر من 1,000 مدينة ذكية تجريبية جاهزة أو تحت الإنشاء في جميع أنحاء العالم، منها حوالي 500 في الصين العظيم وهي الآن على مقربة من سيادة العالم.
توفقنا في إهداء نسخة ورقية من كتاب ”نهاية المدن التقليدية“ إلى الأستاذ. سهيل بن غازي القصيبي - الرئيس التنفيذي لفلك للاستشارات، وهو نجل الراحل والشاعر، والأديب، والكاتب، والسفير والدبلوماسي والوزير السعودي غازي بن عبد الرحمن القصيبي ”رحمه الله“.
من سبعينيات القرن الماضي ساهم في إثراء أكثر من 70 مؤلفاً للساحة العربية، فكانت مصدر من مصادر الإبداع الفكري والتنافس الراقي للنهضة والتقدم.