الشيء المفاجئ الذي يساعدك على التكيف مع التغيير
بقلم ماغي جاكسون
3 نوفمبر 2023
المترجم: عدنان احمد الحاجي
المقالة رقم 330 لعام 2023
The surprising thing that helps you cope with change
Maggie Jackson
3 November 2023
كالكثير من الناس في أصقاع المعمورة، أصبحتُ مدمن سباحة في مياه المحيط طوال العام أثناء جائحة كوفيد - 19. لقد تعلمت تطبيقات التلفونات الذكية التي تمكنني من معرفة ارتفاع الأمواج وسرعة الرياح على امتداد ساحل مضيق رود آيلاند حيث أسبح يوميًا تقريبًا مع مجموعة من زملائي المهتمين جدًا بهذا النوع من الرياضة. لقد راكمنا خبرة عن تيارات الأمواج المحلية ومتى نختار اللجوء إلى مرفأ قريب [المترجم: المرفأ هو عبارة عن مسطح مائي محمي مبني لرسو السفن يتميز بحواجز كاسرة للأمواج وهو مجاور للميناء].
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل خبرتنا المتراكمة، تظل السباحة كل صباح عبارة عن طيف من أسئلة أكثر من كونها إجابات. إلى متى يمكننا الصمود أمام برودة هذه المياه حتى مع ارتداء بدلة الغوص [بدلة غطس مغطاة بمادة عازلة للحرارة] في برودة شهر يناير التي تصل درجة حرارته إلى 38 درجة فرهانتية [أكثر من ثلاث درجات مئوية بقليل]؟ هل سينقشع ضباب الفجر أم سيجعل الروؤية ضعيفة إن لم تكن معدومة بشكل خطير في هذا الشاطئ؟ وفي خضم كل ذلك، نحن في الغالب لا نعرف ماذا سيحدث.
وعدم اليقين هذا، كما استنتجتُ، كان السبب الرئيس وراء كون هذه الصباحات المخيفة، والمثبطة والمرتجلة والمبهجة تبعث على المتعة والارتقاء، ليس فقط للبدن بل للعقل والروح أيضًا [من حيث تحسُّن المزاج]. مع كل تجديفة، أكتشف مدى القيمة المعرفية cognetive «الذهنية» في كوني غير متيقن [بما سيحدث لاحقًا].
هل عدم المعرفة قوة؟ يبدو أن هذه مفارقة في المصطلحات. من السهل أن نشعر وكأننا نستغرق في المجاهيل، أو ما يسميه علماء العلوم الطبيعية عدم اليقين العشوائي [1] . بدأت حالة عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي في الارتفاع تدريجيًا ببطء منذ تسعينيات القرن العشرين [2] ، تخللتها ارتفاعات حادة في السنوات الأخيرة، وفقًا لتحليلات أجراها نيكولاس بلوم Nicholas Bloom، برفسور علم الاقتصاد في جامعة ستانفورد.
لماذا التريث إلى أجل غير مسمى في الأوقات المتقلبة وغير المستقرة؟ لماذا على وجه الخصوص نسعى إلى عدم اليقين الابستمولوجي [ويُعرف أيضًا ب عدم اليقين المنتظم أو الممنهج، وهو خطأ يتكرر في كل مرة بصفة ثابتة ومنتظمة، وقيمته تظل ثابتة [3] ]، ذلك الاحساس المضطرب بعدم المعرفة الذي يستحوذ علينا عندما نواجه أي شيء غامض أو جديد؟ اليوم، الإجابات المؤكدة هي ما نسعى إليه عادة.
ومع ذلك، فقد آن الأوان حيث نستطيع فيه على الأقل التراجع إلى حصن اليقين وعدم الاستفادة من الفرص المجهولة القدر والتي نحتاجها للنمو والازدياد منها حكمة عدم اليقين. جرعاتي اليومية من عدم معرفتي تعطيني إلماعة عما يكشفه علم عدم اليقين الجديد: هذه الذهنية هي السبيل إلى الفضول [4] والقدرة على التكيف [5] والمرونة النفسية «القدرة على الصمود بالرغم من المصاعب» [6] ، وهي مهارات معرفية [7] مطلوبة في أوقات الأزمات.
”هذه الذهنية هي السبيل إلى الفضول والقدرة على التكيف والمرونة،“ بحسب ماغي جاكسون Maggie Jackson
”عدم اليقين يخرجك من حالة الرضا والقناعة ويجعلك أكثر انسجامًا مع المعلومات الجديدة،“ كما يقول باحث علم الأعصاب جوزيف كيبل Joseph Kable من جامعة بنسلفانيا. ”عدم اليقين يلعب دورًا في إعداد الدماغ للتعلم والاكتساب.“
كيف يؤدي عدم اليقين إلى توسيع آفاقنا المعرفية والوصول إلى أقصى إمكانياتنا العقلية cognitive horizons؟ خذ مثلًا عدم الارتياح الذي قد تشعر به في اليوم الأول في وظيفتك الجديدة أو عندما تواجه أعمالًا مفاجئة على الطريق أثناء تنقلاتك اليومية من مكان إلى آخر. عندما تواجه شيئًا جديدًا أو غامضًا أو غير متوقع، هرمونات التوتر والمواد الكيميائية تغمر دماغنا. وفي تلك اللحظة، يبرز فجأة تباين بين التوقعات السابقة والحقائق الجديدة. عدم معرفتك هذه هي حالة ذهنية مرتبطة بأعراض التوتر مثل توسع حدقة العين، والتعرق وارتفاع مستوى هرمون الكورتيزول [المترجم: ولذا نشعر بعدم اليقين حين نتوقع أن النتيجة قد آلت إلى شيء آخر غير ما توقعناه [8] ولذا نصبح غير قادرين على تجنب المفاجآت. لقد خُلقنا لنتوق إلى إجابات. - حالة عدم المعرفة حالة تزعجنا، وهذا هو بالضبط السبب الذي يدعونا إلى الاستفادة من هذه الذهنية.
وبينما نواجه شيئًا جديدًا، تعمل الناقلات العصبية «الهرمونات» القوية مثل النورإبينفرين norepinephrine على تعزيز تقبل العقل للبيانات الجديدة [9] ، ويحدث فعل جهد fire في الدوائر العصبية التي تتحكم في الوظائف المعرفية التي تتحكم في التركيز بشكل مرن [10] وتهيء مناطق الدماغ الرئيسة للانخراط في تبادل المعلومات [11] . وفي غضون أجزاء من الثانية، الصاعق «سلك الصعق» المتمثل في عدم المعرفة يعترض ويوقف استمرارية برنامج عملنا الحالي، مستدعيًا الأنظمة المعرفية cognitive systems اللازمة لتحديث فهمنا القديم، الذي قد عفا عليه الزمن، لما يدور حولنا.
الإثارة التي أشعل فتيلتها عدم اليقين تضعنا في المكان المناسب الذي ينبغي أن نكون فيه في أوقات التقلبات / الأزمات. يقول روب روتليدج Robb Rutledge من جامعة ييل: ”أنت تريد أن تكون في أقصى حالات الاستعداد [والتوتر الملازم له] بسبب الحالات التي لا يمكن التنبؤ بها“. ”هذا يعني أننا منسجمون مع التغيرات البيئية.“
وبعبارة أخرى، من المفيد أن نميل إلى عدم اليقين في أوقات الأزمات [حيث الأمور غير مستقرة]. وفي دراسة [12] نشرت عام 2016، عرض روتليدج وزملاؤه صورًا لصخور مختلفة على متطوعين وطلبوا منهم تخمين أين تختبيء الثعابين. بإمكان اللاعبين كسب مال وذلك بتعلم الأنساق المخفية في اللعبة؛ قد تكون الصخور المرقطة آمنة في هذه الجولة من اللعبة، بينما قد يكمن الخطر تحت الصخور الرمادية. لكنهم لم يتمكنوا من الهروب من الضغوط النفسية التي فرضتها اللعبة عليهم: لقد تفاجأوا قليلًا حين خرج الثعبان من تحتها، بغض النظر عما إذا كانت توقعاتهم صحيحة. كانت اللعبة مرهقة جدًا من الناحية النفسية عندما تغيرت قواعد اللعبة. لكن خلال تلك الفترات التي اتسمت بقدر كبير من عدم اليقين، ارتقى بعض اللاعبين إلى مستوى الحدث. إذن، من المفيد أن نميل إلى تفضيل عدم اليقين في أوقات الأزمات.
”من المفيد أن نميل إلى عدم اليقين في أوقات الأزمات“، كما تقول ماغي جاكسون
الذين كانت مستويات التوتر لديهم أكثر انسجامًا مع المستويات المتباينة لعدم اليقين في اللعبة، توصلوا إلى تنبؤات أكثر دقة. في الجوهر، لقد أدركوا الديناميكية الأساسية للحياة [الحياة الدينامية تعني عدم الاستقرار؛ فالمرء ينمو ويتغير ويتطور ويتقدم باستمرار، بحسب التعريف [13] ]. تثبت الدراسات أنه بالتمسك بالاعتقاد بأن الوضع مستقر حين لا يكون كذلك، فإننا أقل احتمالًا لإدراك وفهم الحقائق المتغيرة باستمرار والاستفادة منها.
تثبت الأبحاث أن هذا هو أحد الأسباب التي تجعل الرؤساء التنفيذيين الذين يتسمون بالتردد في الأزمات [14] يميلون إلى أن يكونوا أكثر دهاءً من القادة الحاسمين جدًا [«القادة الحاسمون هم الذين يسعون لتحصيل المعلومات المناسبة والصالحة واللازمة لاتخاذ قراراتهم] الذين كثيرًا ما نحترمهم ويعجبنا أداؤهم. ومن خلال قبول التحدي الذي يفرضه عدم اليقين ونصبح على معرفة بما سيحدث ومدى أهميته. [المترجم: تتمثل هذه الصعوبات / التحديات التي يفرضها عدم اليقين في الشعور باليأس والاكتئاب والمبالغة في تصور حجم المشكلة التي يواجهها الشخص في الأيام المقبلة، وحتى عدم قدرته عن اتخاذ الإجراءات اللازمة للتغلب عليها [15] ].
وبالتالي، نحن أكثر احتمالًا لنكون فضوليين. أحد العناصر الأساسية للاستعداد إلى الفضول هو الاستعداد لاستكشاف حالات وأوضاع جديدة أو غامضة أو معقدة، على الرغم من طبيعتها المقلقة، وفقًا للدراسات [16] التي أجراها تود كاشدان Todd Kashdan من جامعة جورج ماسون. يقول بول سيلفيا Paul Silvia من جامعة نورث كارولينا جرينسبورو: ”الفضوليون يجرون تجارب على الكثير من الأشياء، ولا يشعرون بالارتياح في تجاربهم هذه، إلّا أنّ عدم الارتياح هذا لا يمنعهم من مواصلة تجاربهم“ في عملهم. الذين يتمتعون بهذا الجانب من الفضول هم أكثر احتمالًا للبحث عن التحديات ومواجهتها.
ومن المثير للاهتمام أن هذه القدرة على الاقناع والدفع نحو المجهول المزعج هي أيضًا جانب من جوانب الشخصية الفضولية الأكثر تلازمًا مع مقاييس الصحة العقلية والمتمثلة في المشاعر الإيجابية. الشباب الذين سجلوا درجات عليا قبل الجائحة في مقياس يسمى ”مستوى عدم تحمل عدم اليقين والتفاعل السلبي من الناحية الانفعالية والمعرفية تجاهه Intolerance of uncertainty“ عانوا من ناحية الصحة العقلية خلال ذروة الجائحة من أقرانهم الذين اعتبروا أن التحديات التي يفرضها عدم اليقين أقل إشكالية بطبيعته، وفقًا لبحث [17] أجرته ستيفاني جوركا Stephanie Gorka من جامعة ولاية أوهايو.
قد يبدو الأمر مفاجئًا حيث الذين يستطيعون التعامل مع عدم المعرفة المقلقة، بل وينجذبون إليها، يجدون متعة كبيرة في الحياة. لكن قدرتنا على الانفتاح على أوقات تخلو من الأزمات ومن القلق هي رافعة للبدن والعقل. ومن خلال التعامل مع المفاجآت المبهمة والتوقعات غير المتحققة كفرص للتعلم، يمكننا أن نقضي أيامنا غارقين في الدهشة، وليس في الخوف.
”وبالتعامل مع المفاجآت المجهولة والتوقعات غير المتحققة كفرص للتعلم، يمكننا أن نقضي أيامنا مندهشين إلى حد الثمالة، لا خائفين،“ ماغي جاكسون
ولكن اليوم، يبدو أننا نخشى بنحو متزايد من أن نكون مترددين ولو للحظات. يقول نيكولاس كارلتون Nicholas Carleton من جامعة ريجينا Regina في كندا إن تفقدنا المفرط لهواتفنا الذكية التي تقدم إجابات متقنة وفورية قد يحد من مستوى ”التعرض اليومي لعدم اليقين [18] “. وقد وجد أن مستوى عدم تحمل عدم اليقين والتفاعل السلبي من الناحية الانفعالية والمعرفية تجاهه Intolerance of uncertainty قد ارتفع بالتوازي مع دخول الهواتف الذكية والإنترنت الي عالمنا، كما وجد في التحليل التلوي الذي تناول البيانات من عام 1999 إلى عام 2014 [هذه الدراسة وجدت أن من المفارقات أن سلوكيات البحث عن الأمان والاطمئنان يزيد من القلق [19] ].
وفي الوقت نفسه، فإن القادة الذين يتداولون مشكلةً شائكة جديدة تداولًا سريعًا بشكل علني [القادة المترددون] يُصنفون على أنهم أقل جدارة من القادة التنفيذيين الحاسمين الذين يستجيبون على الفور بعد توفر المعلومات المطلوبة لاتخاذ قراراتهم. لقد حان الوقت للتوقف عن الهروب من الذهنية التي تُعتبر مفتاح ازدهار الإنسان. عدم اليقين ليس المشكلة التي افترضناها، بل هو ينبوع للفرص.
في أحد الأيام، كنت أنا وزميلي السباح ستيفن بيرد Stephen Bird نقترب من صخرة مترامية الأطراف قبالة الشاطئ والتي غالبًا ما نرغب في أن نلتف حولها في نهاية مغامرتنا الصباحية في المحيط. كان الموج هائجًا. والوضع صعبًا يمنعنا من معرفة ماذا يجري في الجانب الآخر من الصخرة، التي كانت تبعد 700 قدم «213 متر» تقريبًا من الشاطئ ومكشوفةً بالكامل لأمواج لمحيط الأطلسي الهائجة.
توقف ستيفن ونظر إليّ ولخص تلك اللحظة المقلقة. ”هذه قد تكون هي النهاية،“ كان خائفًا وقلقًا جدًا من أن يحدث لهما ما لا تحمد عقباه. "إنه أمر مخيف ولكنه رائع. كنت أعرف ما يعنيه. الصخرة رمز لحافة حدود معرفتنا [المترجم: لازم ذلك القول ان ما بعدها غير معروف ويمثل عدم اليقين]،
ملاحظة المحرر: هذا المقال مقتبس من أحدث كتاب للمؤلفة ماغي جاكسون بعنوان ”غير متيقن: الحكمة والدهشة لكونك غير متيقن [20] . Uncertain: The Wisdom and Wonder of Being Unsure“، الصادر في 7 نوفمبر 2023. الآراء الواردة في هذا التعليق كانت آراء ماغي نفسها.
