من استفتاءات علماء الأحساء
الشيخ عيسى الشواف وشيخه الشيخ محمد آل عيثان
«1»
مدخل:
نتناول خلال حلقات مجموعة من الاستفتاءات التي بعث بها الشاب النبه والشيخ الفطن الشيخ عيسى الشواف إلى شيخه وأستاذه المرجع الديني الأحسائي الشيخ محمد بن عبدالله آل عيثان، حول مجموعة من المسائل الابتلائية التي حاول خلالها أن يستجمع أطراف المسألة.
وهي تفيدنا بنسبة لفهم الوضع الاجتماعي خلال تلك الحقبة وبعض المسائل التي يعيشها المكلف من خلال السؤال والاستفسار للخروج بحل ومخرج فقهي من الوقوع في المحرم، والتي نستعرض بعض أبعادها نهاية المسائل.
وهنا نتناول الموضوع من خلال ثلاث أبعاد:
الأول: التعريف بالسائل والمجيب.
الثاني: عرض المسائل.
الثالث: أبعاد المسائل وإشاراتها.
السائل:
الشيخ عيسى الشواف «1305 - 1338 هـ »:
نبذة عن حياته [1] :
هو الشيخ عيسى بن عبد الله بن عيسى بن حسن بن الشيخ حسين بن الشيخ علي بن حمد بن حسن بن فارس الشواف الأحسائي الهفوفي.
ولد ونشأ في بيت خير وصلاح، فقد كانت ولادته في شهر ذي القعدة سنة 1305 هـ ، فتربى محباً للعلم والدرس، حتى بانت عليه علامات الذكاء والفطنة منذ حداثة سنه.
من أساتذته [2] :
1 - الشيخ محمد بن عبد الله آل عيثان.
2 - الشيخ موسى بن عبد الله آل أبي خمسين.
3 - الشيخ علي بن أحمد البن سعد المبرزي.
4 - الشيخ حبيب بن قرين الأحسائي.
5 - الشيخ محمد بن حسين آل خليفة.
6 - الشيخ موسى بن محمد باقر الحائري.
مؤلفاته:
1 - إيقاظ القلوب لعبادة علام الغيوب.
2 - تحفة الوداد في الحث على طلب الأولاد.
3 - ترجمان الأدب في بيان كلام العرب.
4 - التعليقة على كتاب «المعالم» في الأصول.
5 - جامع الكرامات الصادرات لسادات البريات.
6 - الكشكول.
7 - منحة الإخوان الدالة على طريق الغفران.
وفاته:
كانت وفاته رحمة الله عليه في مدينة الهفوف حدود سنة 1338 هـ ، ولم يتجاوز عمره 34 سنة.
المجيب:
الفقيه الشيخ محمد آل عيثان «1260 - 1331 هـ » [3] :
العلامة الفقيه محمد بن الشيخ عبد الله بن الشيخ علي بن الشيخ أحمد بن الشيخ علي بن الشيخ محمد بن حسين بن عيسى آل عيثان القاري، علم من أعلام الأحساء الكبار، ورمز من رموزها الدينية العظام، كان مجتهداً وفقيهاً لامعاً، تولى المرجعية في الأحساء، فكان مرجعها الأعلى بلا منافس.
مولده ونشأته:
ولد الفقيه الشيخ محمد في بلدة القارة بالأحساء سنة 1260 هـ ، وبها نشأ وترعرع في محيط علمي وديني أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه حيوي ونشط على يدي والده الشيخ عبد الله الذي دفعه وشجعه على الخوض في غمار العلم والتزود منه، فبرع وأتقن مختلف الفنون في فترات قاسية.
رحلته الدراسية:
كانت رحلته العلمية إلى العراق وهو ابن اثنين وعشرون سنة، وبالتحديد إلى النجف الأشرف أبرز وأكبر المراكز العلمية في العراق تردد خلالها على كربلاء ثاني المدن العلمية هناك، والتي استمرت سبع وعشرين سنة، بدأت منذ عام 1282 هـ إلى سنة 1309 هـ
وتلقى علومه في مدينتي النجف الأشرف وكربلاء المقدسة على أساطين العلم هناك فكان ممن تتلمذ على أيدهم من الفقهاء:
1 - السيد محمد مهدي بن السيد حسن القزويني «ت: 1300 هـ ».
2 - الشيخ محمد باقر بن محمد سليم الاسكوئي التبريزي «ت: 1301 هـ ».
3 - الشيخ محمد حسين بن الشيخ هاشم الكاظمي «ت: 1308 هـ ».
4 - الشيخ محمد طه نجف النجفي «ت: 1323 هـ ».
وقد أجيز بالإجتهاد والرواية من جميع مشائخه وأساتذته المذكورين.
مكانته العلمية:
شهد له كل من عرفه بالفضل والمكانة العلمية، واليد الطولى في مختلف الفروع والأصول، ولعل فيمن أجازوه أو تتلمذ عليه دلالة واضحة للسمو العلمي الذي تبوأه الشيخ العيثان، وهذا مقاطع مختارة مما قاله في شأنه مجيزوه:
قال في حقه ميرزا محمد باقر بن محمد سليم الأسكوئي [4] :
... قد استجازني الأخ المعتمد الشيخ المسدد، العالم الفاضل المدقق الفاصل، ذو القلب السليم والذهن الوقاد المستقيم، اللّوذعي الألمعي، الذي فاق بالاعتدال في فهمه وذكائه أقرانه والأمثال، حيث جمع رتبتي المعقول والمنقول واستعد لدرجة الاستيضاح للفروع من الأصول، المؤيد الممجد جناب الشيخ محمد بن الشيخ الأواه الشيخ عبد الله بن الشيخ علي بن عيثان الأحسائي....
أما تلميذه العلامة الفقيه الشيخ عبد الله المعتوق: > العالم الجليل والفاضل النبيل، بحر علوم المعارف الربانية، وعين الحكمة الألهية، والحاوي للعلوم الشرعية العقلية والنقلية شيخي وأستاذي ومن عليه اعتمادي، الأمجد الأوحد، التقي الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله آل عيثان الأحسائي [5] <.
ملامح عن مرجعيته:
سبقت الشيخ شهرته ومكانته العلمية رجوعه إلى بلاده الأحساء، لذا ما أن رجع إلى الأحساء سنة 1309 هـ ، بعد وفاة العلامة والمرجع الديني السيد هاشم بن السيد أحمد السلمان حتى دانت له المنطقة بالمرجعية خلفاً للسيد المذكور، ومع أفول شمس الشيخ محمد بن حسين آل أبي خمسين سنة 1316 هـ ، حتى انقادت له البلاد برمتها مُدينة له بالمرجعية، لتشمل حركته المرجعية كل من الأحساء والقطيف والبحرين ودبي والكويت والبصرة وأطراف مختلفة من مناطق الخليج التي أقرت بمكانته العلمية ورفاعة قدره.
مؤلفاته:
له الكثير من المصنفات منها:
1 - الرسالة العملية في الطهارة والصلاة
2 - رسالة في المعاملات: لعلها القسم الثاني من رسالته العملية.
3 - رسالة في الصوم
4 - مناسك الحج.
5 - رسالة في بيع الفضولي.
6 - رسالة في التصرف في مال الطفل.
7 - رسالة في جنابة العبد، مع مسائل متفرقة.
8 - رسالة في حقيقة التقليد.
9 - رسالة في الزكاة: استدلالية.
10 - رسالة في القضاء: استدلالية [6] .
11 - شرح «الرسالة الرضاعية» المسماة ب «اللمعات البغدادية في الأحكام الرضاعية» من تأليف أستاذه السيد مهدي بن السيد حسن القزويني.
12 - شرح «الشهاب الوامض في أحكام الفرائض» للسيد مهدي القزويني: وهو كتاب فقهي استدلالي في أحكام المواريث.
الإستفتاءات:
وهي مجموعة مسائل مرتبطة بالأضحية في باب الحج، والثانية في باب العتق.
السؤال الأول [7] :
مولانا - أيدكم الله تعالى - أفتونا في لحوم الضحايا، هل يجوز أكلها لغير الفقير أم لا؟ وعلى تقدير عدم الجواز، فلو أهدى إليّ شيء من لحمها ممّن يقلّد من يجوز الجري على المتعارف من أن الثلث للدار، وثلثاً للجار، وثلثاً للفقير أو المسكين، أو دعاني إلى الأكل من لحمها، فهل يجوز أكله؟ أم لا؟ وما حدّ الضرر المسوّغ للأكل؟، ولغيره من الأحكام المنفية بالعسر والحرج والضرر. أفدنا حرسكم الله تعالى.
الجواب:
بسم الله. لا يجوز الأكل من لحوم الضحايا لغير الفقير ممن يرى فرق في الأكل بين الإهداء وغيره، ولو اختلف صاحب الضحية، ومن تهدى إليه في التقليد، تَبع كلّ منهما حكمه.
وأما قولك وما حدّ الضرر المسوّغ..إلخ. فقد مزجت بين موضوعين مختلفين، لحكمين مختلفين، فإن موضوع الضرر، غير موضوع والحرج...، وكذلك حكمهما بالتشخيص.
السؤال الثاني:
مولانا: هل ينعتق العبد بتنكيل المولى به، بقطع أنفه، أو إحدى شفتيه، أو إحدى أذنيه أم لا؟
فإن ابن إدريس - قدس الله نفسه - أنكره، وعلى الأول، فهل ضربه الشّديد الضرب الذي لم تجريه العادة حتى كاد أن يغشى عليه، أو غُشيَ عليه بعد تنكيلاً موجب للعتق؟ أم لا؟ وكذا سمّر أذنه بمسمار في خشبه، وعلى تقدير عدم الانعتاق، ماذا يصنع؟ هل يبقى عند عمّه على هذا الحال، أم يجب عليه الشُّرود عنه؟ وهل يقصر صلواته لو شَردَ عنه، أو يتمّ؟ وهل يجب على من استضافة أو استجار به إرجاعه إلى مولاه؟ أو إخباره بمكانه؟ أم لا؟ وهل الذي يحتاج إلى التقليد في هذه المسائل، العبد أو المولى أو كلاهما؟ وهل يجوز أن يستخدمه من كان عنده مقابل أكله؟ أفيدونا - حرسكم الله وجزاكم الله خيراً - وإن رأيتم أن تشيروا فيما يحسن الإشارة فيه إلى شيء من الدليل، تحرزوا بذلك مع فضل الإفتاء أجر التعليم، فذلك من كرمكم - لا زلتم مصدر للقاصدين وكعبة للوافدين -.
الجواب:
الجواب إن التنكيل سبب للانعتاق ولا غير، بخلاف ابن إدريس، إذ هو على أصله، من عدم حجية خبر الواحد، والتنكيل عبارة عن إحداث تغير في المملوك، يوجب النقص في خلقيّتة الأصلية مع صدق اسم التنكيل عليه، كإفقاء إحدى العينين أو قطع إحدى اليدين، أو إحدى الرجلين، أو إحدى الاذنين أو إخصاء المملوك كما يستعمله بعض الملوك، ونحو ذلك، لا بما لا يصدق معه اسم التنكيل.
أبعاد المسائل وأبعادها:
في هذه المسائل مجموعة من المسائل المهمة والنقاط الجميلة التي نشير لها خلال النقاط التالية:
- إن الشيخ عيسى بن عبد الله الشواف، من الطلاب المحصلين والجادين في تحصيل العلوم وطلبها فمسائله تدل على تتبع وطلاع فقهي كبير، ودقة ذهنية في الطرح والسؤال، كما كتبت المسائل بلغة فقهية وعلمية رصينة التي يكتب بها العلماء في الحصر المنطقي.
- أنه من خلال علاقته بشيخه وأستاذه المرجع الديني الشيخ محمد بن عبد الله آل عيثان حاول أن يأتي بمجموعة من المسائل التي هي محل الابتلاء وتشكل حرج لدى المكلفين.
- في المسألة الأولى إلماح إلى الفقر المخيم عند عدد من شرائح المجتمع فهل العسر والحرج يسوغ لهم الأكل من الأضحية حتى مع عدم تجويز مرجعه الأكل إلا للفقراء، وهذا هو رأي الشيخ العيثان، بمعنى أنه هناك من يعاني الفقر والحاجة ولكن أنفته وعزّة نفسه تمنعه الإفصاح عن العسر.
- في المقابل المسألة الثانية تتحدث عن طغيان بعض ملاك العبيد والمعاناة التي يلاقيها المملوكين من ساداتهم من الظلم والطغيان لدرجة التشويه وهو حال تعيشه الأحساء كغيرها من المناطق في زمن العبيد والاستعباد.