آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 5:57 م

إطفاء الحرائق المتنقلة

نتساءل عن صمام الأمان والسور المنيع الذي يحفظ الأسرة من التفكك ومخاطر الحرمان وفقدان القيم الأخلاقية، ولا يطول بحثنا إذا سلطنا الضوء على دور المرأة الكبير في تماسك العلاقة الزوجية وتنشئة الأبناء تنشئة سليمة تحفظ شخصياتهم من الوقوع في الرذيلة ومخالفة الآداب وتوجيههم نحو الخطوط العريضة لطريق الكفاح ومواجهة التحديات من أجل بلوغ الآمال والتطلعات والأخذ بأيديهم لأعلى درجات النجاح والإنجاز، وهذا لا يعني أن مسئولية استقرار ونجاح الأسرة يتوقف على المرأة لوحدها دون أن يتحمل معها الزوج تلك المسئوليات الجسام، ويخوض معها معترك الحياة بما يحمل من مصاعب ومتاعب وأزمات يعملان جاهدين على تجاوزها، كما أن تربية الأبناء السليمة تعتمد في نجاحها على تفاهم الوالدين ومدى انسجامهما الفكري والعاطفي، ومتى ما كانت علاقتهما يشوبها الإهمال من أحد الطرفين أو الخلافات وعدم القدرة على استيعابها والوصول إلى حلول مرضية، فسيؤدي ذلك إلى اختلال نفسي وعاطفي عند الأبناء والنتيجة هي الخسارة الكبرى للمجتمع حين يفتقد الإنجازية والفاعلية من بعض أفراده، فالتربية المشتركة بين الوالدين من المسلمات ولكننا مشير إلى تلك الشمعة المضيئة في البيت بعاطفتها الجياشة وسعة صدرها في استيعاب المشاكل والأخطاء وقدرتها على إمداد أفراد الأسرة بالدافعية وتقوية الهمم في ميادين المعرفة وتنمية المهارات فبلا شك أنها الأم، فهي المحرك الفعلي لحالة الاستقرار وتكوين الانسجام وردم الفجوة بين الوالدين وأبنائهم بما تمتلكه من ذكاء عاطفي.

هنا نركز على أهمية مبدأ الذكاء العاطفي المؤثر والقدرة على توظيفه في الحفاظ على استقرار الأسرة في اللحظات الصعبة عند المرور بمشكلة أو خلاف، ويعد هذا المبدأ من قدرات المرأة الخاصة بأعلى درجاته ويمكن من خلاله احتواء ما تواجه الأسرة من أزمات تتعلق بالعلاقة بين الزوجين أو المخالفات السلوكية عند الأبناء، وبالطبع فإنه لا غنى عن توظيف قوامة الزوج وضبطه للنفس وما يتخلى به من حكمة لتلافي الانزلاق في المواقف الصعبة إلى هاوية الخلافات الساخنة، إذ أن أكبر المشاكل التي تواجهها الأسرة ليست مسألة بروز مشكلة أو خلاف زوجي أو مع الأبناء، فهذا يعد أمراً عاديا يحتمه التباين في الرؤى والضبط النفسي والانفعالي بين الزوجين وما يمران به من ظروف حياتية صعبة، ولكن التباين الحقيقي بين الأسرة الناجحة والأسر الأخرى هو التوقف عند كل مشكلة وخلاف بعين الحكمة والتفكير الروي وتحديد وتحجيم المشكلة أو الخلاف والحذر الشديد من تضخمه أو التشعب في دهاليز الخلافات المتفلتة «ما يسمى بفشة الخلق»، إذ هناك من الأزواج والزوجات من لا يعرف كيفية التعامل مع ما يواجهه من ضغوط حياتية واجتماعية، فتتداخل عنده الأمور ولا يجد متنفسا لتلك الضغوط إلا من خلال الهجوم الانفعالي على شريك حياته، وصب جام غضبه وتفريغ شحنات الغضب من خلال الصراخ والكلمات الجارحة مع شريك الحياة أو أحد أبنائه، فالحالة الانفعالية الشديدة كالموج الجارف لا يمكن في خضمه اتخاذ الموقف المتزن والرزين، وإنما العلاج الناجع هو تجنب فوهات البركان الأسرية وتجنب إصابة الآخر بشيء من الحمم، فهذا يعد - إن لم نبالغ - نصف الحل حيث نختار بعد هدوء النفوس واستيعاب المشكلة أو الخلاف الوقت المناسب للتفاهم والحوار، ونستمع لوجهة نظر الآخر متفهمين ظروفه وتوجيهه لنقاط الخطأ والتقصير والمشاركة في الوصول لحلول ممكنة، وهذا التفاهم والحوار والاستماع للآخر وتجنب ردات الفعل الانفعالية هي ثقافة وتربية يتلقاها الشاب والفتاة في محيطه الأسري والاجتماعي ويتعامل مع الآخرين وفقه، وإطفاء الحرائق المتنقلة وعدم تحول الخلاف أو المشكلة إلى مشاحنة وخصومة يحتاج إلى تحمل المسئولية المشتركة بين الزوجين، حيث يمكن للزوجة الذكية عاطفيا والزوج المتفاهم تجنيب أسرتهما أي خلل واضطراب يحرم الأبناء من الشعور بالأمان والحنان.