المؤلِف بين المدح والقدح
الكتابة قبل أن تكون تسلية أو ترف ثقافي هي في الواقع هدف ورسالة؛ هدف للنهوض بالمستوى المعرفي للقارئ وهي رسالة من الكاتب لمن يقرأ فمنذ بدأنا نقرأ وتكونت لدينا حصيلة معرفية لا بأس بها كان من ضمن الأهداف، الكتابة لأن هناك قناعة بأنها قبل كل شيء كما أسلفنا رسالة وهدف.
بعد هذه القناعة وكتابة ما يكتب من مقالات وخواطر وربما بحوث ودراسات تأتي مرحلة التأليف «تأليف الكتب»، ويأتي ما يأتي معها من تعب وعناء وبحث، البحث في المصادر والمراجع وربما التواصل مع آخرين من أجل الوصول إلى شيء معين يتعلق بما سيكتب في ذلك الكتاب.
وبعد ذلك كله من العمل المضني وطباعة الكتاب وإخراجه إلى العلن والأسواق سواء من مثقفين وقراء وعامة الناس يبدأ الحكم على ذلك المنتج من مدح وقدح، وكل ذلك لا ضير فيه مادام الحكم ينصب على المؤلَف، وليس المؤلِف وتأتي الطامة الكبرى عندما ينبري البعض «للمصارعة مع مَن كتب ذلك الكتاب»، لا لأجل النقد البناء سواء أكان أدبياً أو نقد الكتاب من حيث البنية اللغوية أو العلمية، بل البعض يفعل ذلك لإيجاد ثغرة أو تصيّد زلة، كل ذلك وأنت تتساءل لماذا يفعلون ذلك وهم ليسوا مبرؤون ولا معصومون من الخطأ.
والمنهجية السليمة في ذلك أنك لو أردت النقد بأن تتواصل مع المؤلف نفسه وتستفسر منه عن هذا الخطأ الذي اكتشفته أنت لربما هو غير مقصود وتكون قد خدمته ونبهّته إلى هذا الخطأ لكي يتجاوزه وحتى لا يقع في مثله في مرات قادمة.
فلا ينبغي التشنيع على الخطأ مهما حدث وأن أراعي منهجية الكاتب فلعله يرتب لشيء أنت لا تعرفه ويكتب لغير الهدف الذي تحمله أو تتوقعه أنت في ذهنك وعلى هذا وذاك في كثير من الأحيان مقصد الكاتب خدمتك بحسب الموضوع الذي هو كتبه أو يكتب فيه.
فأتذكر أن أحد الأصدقاء الكتّاب قد ألّف كتاباً يتعلق بالشخصيات والأسر فقامت عليه الدنيا ولم تقعد لأنه قدّم الأسرة الفلانية على تلك، وبكل بساطة أن مَن قدمه كان حرفه أسبق في حروف الهجاء.
ومن فترة قصيرة اتصل بي أيضاً أحد الأصدقاء الكتّاب ويبدو في نبرة صوته الحزن، وقال بما معناه في المثل الشعبي السائد عندنا في الأحساء «خير تعمل شر تلقى» فقلت له وما ذاك يا صاحبي فقال: ألفت كتاباً أذكر فيه مآثر الشيخ الفلاني المتوفى، وإذا يتفاجأ بأحد أبناء ذلك الشيخ يتصل عليه، ويقول له لماذا تكتب عن أبي ومّن قال لك أفعل ذلك!!
فهذا شيء غريب وعجيب يجعلك تتردد في عمل الخير للناس، فأنا الآن أعمل على إخراج كتاب في السير لبعض الكتّاب فما حدث يجعلني أتردد في إخراجه.
فبدلاً من أن «يمدح» المؤلِف ويثني عليه «يقدح» ويذم وربما وصلت المسألة إلى التهديد والوعيد.
أخيراً نقول يجب دعم المؤلف والكاتب والمثقف لأنه صاحب رسالة لا يقل عن غيره في خدمة دينه ووطنه ومجتمعه والنهوض به.