آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

الكلمة أم قائلها؟

إيمان عباس *

غالبية البشر يقيّمون أهمية ما يقال إليهم بناءً على مكانة الشخص الذي وجه إليهم هذا الكلام أو ذاك، كما أنهم يكونون أكثر قابلية للتأثر بما يتلقونه من مواد مكتوبة أو مسموعة عندما تصدر من شخصيات يتوافقون معها في التوجهات الفكرية. فهل يعني ذلك أن قائل الكلمة أهم من الكلمة نفسها؟

عندما نتحدث عن الفنون الأدبية بمختلف أنواعها وتقسيماتها سنجد بأن الكلمة دائمًا يتم تحليلها بتجرد يتم التركيز فيه على تفاصيل مضمونها وجمالياتها بعيدًا عن التوجهات الفكرية والسمات الشخصية للكاتب إلا إذا تعمد هو أن يقحمها في مضمون ما كتبه، ومع ذلك فنحن لا يمكننا أن نقول عن نص قوي في فكرته وفي بنائه اللغوي بأنه نص ضعيف أو غير مؤثر لمجرد أننا نصطدم فكريًا مع كاتبه.

كذلك في الأدب السياسي نجد بأن فن الخطابة ما زال يحتفظ تاريخيًا بمقولات لقادة كانوا من أبرز المشاركين في تدمير العالم بالحروب والصراعات السياسية على سبيل المثال لا الحصر خطابات زعيم الحزب النازي أو حزب العمال الاشتراكي الألماني ”أدولف هتلر“ فعلى الرغم من مرور أكثر من ستة عقود على انتهاء حزبه، إلا أن خطاباته أو مقتطفات منها على الأقل ما زالت موجودة، ولم تُمسح بعد من الذاكرة التاريخية للأدب السياسي، ولا عجب في ذلك لأن ”هتلر“ بالإضافة إلى موقعه السياسي كان كاتبًا بارعًا في الوقت نفسه، حتى أن كتابه ”كفاحي“ قد عاد مجددًا إلى السطح في عام 2016، وذلك في أول طبعة جديدة له منذ الحرب العالمية الثانية، على الرغم من عدة محاولات قضائية لحظره ومع نسبة مبيعات فاجأت الجهة الناشرة نفسها ”معهد التاريخ المعاصر لوكالة الأنباء الألمانية“

من المعروف أن هتلر كان ديكتاتوريًا يقود حزب يميني متطرف فما الذي يدفع القارئ إلى اقتناء كتاب يتناول توجهاته الفكرية؟

القارئ اليقظ يعرف جيدًا معنى القراءة التحليلية القادرة على الفصل بين الفكرة كمعلومة تشرح نفسها بوضوح وتظهر لنا جوانبها السلبية لتجعلنا مدركين بقوة المنطق أسباب محاربتها ومحاولة القضاء عليها، وبين الفكرة كحالة قادرة على التأثير في طريقة تفكيرنا وسلوكياتنا فنحن لا نبتعد عن الفكرة السيئة بمجرد منعها من الوصول إلينا؛ لأنها قد تتسرب بطريقة أو بأخرى، ولكننا نبتعد عنها عندما نعي مدى سلبياتها وتأثيراتها المدمرة على الفرد والمجتمع وهو ما يفسر الإقبال الذي حظي به كتاب هتلر بعد عودته من جديد.

أما على صعيد الحياة الاجتماعية فكما أسلفت في مقدمة المقال، نحن في الأغلب نحدد أهمية الكلمة ومدى تأثيرها السلبي أو الإيجابي انطلاقًا من قائلها، وليس من الكلمة نفسها متناسين أن الكلمة المؤثرة فعليًا تعتمد على قوتها الذاتية وعلى مدى حاجتنا إلى مضمونها، وليس على علاقتنا بقائلها.

يقول سيد البلغاء الإمام علي بن أبي طالب : ”لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال“ فليس بالضرورة أن تحصل على الكلمة التي تحتاجها وتكون في صالحك من الأشخاص المقربين منك أو أولئك الذين لا تتصور أنه من الممكن أن تكتسب مضامين فكرية معينة من أحد سواهم، ولربما تهزك كلمة من عابر يجاملك فيها صديق فتوقظك كلمة العابر ولا تنفعك مجاملة الصديق، وقد يقال عنك ما ليس فيك من شخص قريب منك وينصفك آخر لا تربطك به سوى علاقة سطحية.

كاتبة بحرينية