التفكير الرشيد عندما نفتقده
امتلاك الذكاء والنبوغ المعرفي هل يعد صمام الأمان في اتزان خطانا واتخاذ القرارات المناسبة، أم أن ذلك لا يكفي بدليل وقوع البعض من الأذكياء في أخطاء، بل وأخطاء قاتلة لا يمكن للندم أن يعوضها أو يوقف مسلسل الخسائر؟
الأمر لا يحتاج إلى الاستناد للأدلة ما دام الواقع المشاهد يحكم بذلك، فنرى السقوط دون النهوض مجددا والأخطاء المتكررة من الفرد المتألق فكريا، دون أن يسعفه عقله المتوقد، وهذا بالتأكيد يدل على وجود عوامل أخرى بخلاف التوقد الذهني يؤثر في اتخاذ القرار الصائب من عدمه.
الهدوء وضبط النفس أثناء مواجهة المشكلة أو الموقف مبدأ مهم لتجاوزه دون الوقوع في الخطأ، حيث إن الانفعال الشديد وردة الفعل القوية تؤدي إلى التهور والتعامل بدون شعور وكأنه مغمض العينين أثناء قيادة السيارة، فمن رغب في النأي بنفسه عن ارتكاب الأخطاء والدخول في دهاليز المشاكل عليه أن يتعامل بروية وحكمة، فهي المؤثر في استيعابه للموقف والتعامل معه وفق الخيارات والاحتمالات الممكنة، وكثير من مشاكلنا على مستوى علاقاتنا الزوجية والأسرية والاجتماعية المؤدية إلى الخصومة والقطيعة هي نتيجة المواقف الحدية والتسرع في المواقف؛ مما يؤدي إلى توتر علاقاتنا، ومن ثم إبداء الندم الشديد والتحسر كلما تذكرنا فعلنا الغاضب ونتائجه السيئة المترتبة عليه!!
الثقة بالنفس الزائدة عامل هدم وطريق إلى صدور الأخطاء والهفوات في أعمالنا وعلاقاتنا، حيث أنه يغيب عن العقل أسباب الأخطاء والعواقب المترتبة على كل فعل وقرار، وحينها يتحرك الإنسان وفق غرائزه وأهوائه معتقدا بالصوابية في كل ما يصدر منه، فيقع حينئذ فيما لا يحمد عقباه، فالتفكير المنطقي يتحدث عن دراسة الموقف أو المشكلة من جميع أبعادها واتجاهاتها ومآلاتها والنتائج المترتبة على كل احتمال واختيار، فلتكن الثقة بالنفس في معدلها الطبيعي المشير إلى نفي التردد والتسويف والانسحاب مع وصول العقل الرشيد إلى اختيار مخالف لذلك، فمن يراجع خطواته بدقة وعناية في كل مرة يفكر في هدف أو حل مشكلة ستكون اختياراته موفقة وتجنبه الكثير من الخسائر، فلنحذر مما يسمى بالثقة العمياء والتيقن بحصول ما نريده ونرغب فيه حتما إذا تحركنا باتجاهه، كما أن الثقة الزائدة تصيب الفرد بالإحباط مع أول منعطف يرتكب فيه الخطأ أو التقصير، بينما الثقة بالنفس الإيجابية تحمل معها كل الاحتمالات لخطواتنا، ومنها الإخفاق بشكل تام أو جزئي، ولا مفر آنذاك ولا حرج في مراجعة خطواته واكتشاف الأخطاء؛ ومن ثم الانطلاق مجددا متلافيا ما وقع منه في مرحلة سابقة.
ومن هنا نفهم ارتكاب البعض للأخطاء وتعامله الأرعن والمتهور مع مشكلة ما أو رأي يخالف آراءه، حيث أنه مع ما يمتلك من فطنة ونبوغ، إلا أنه مصاب بآفة طغيان النفس أو ما يسمى بالغطرسة أو العنتريات، فهو يرى نفسه في أعلى درجات القوة والطاقة الكاملة فلا يلتفت إلى فكرة الخطأ أو الإخفاق، ولا يتقبل أن يواجهه أحد بأخطائه ولا النقد لوجهات نظره، وهذا بالتأكيد يؤدي إلى مسلسل من الأخطاء التي لا تعوض، كما أنه يعاني على مستوى علاقاته خللا واضطرابا بسبب النفرة منه لأسلوبه الصعب، فمثل هذا الشخص لا يتأنى في اتخاذ قراراته، بل ينغمر في إثبات بوجوده وتحقيق التقدم والانتصار الوهمي!!
الاهتمام بالعقل الجمعي ومراجعة صحة رأيه وتقديم نقد إيجابي لأهدافه وميادين تنفيذها تعد من علامات استخدام الوعي والرشد في اتخاذ الخطوات والقرارات الملائمة، ولكن البعض قد يلغيها من قاموس تعاملاته، ولا يقيم لها وزنا فالمرجعية الوحيدة لطريقة تفكيره هي ذاته فقط وفقط، إذ قد يكون ذلك نابعا من تضخم الذات عنده، فيشمخ بأنفه نحو السقوف العالية دون النظر في الأمر بنحو الدقة، والحقيقة أن القوة في شخصيته وإبرام آرائه هو الاستماع للرأي الآخر مهما كانت نسبة المنطقية والصوابية فيه، فتسليط الأضواء من قبل مجموعة سيكشف المشكلة أو التصورات بنحو شامل، ويسد موارد الخلل، ويجنبه الأخطاء القاتلة التي في بعض الأحيان لا يمكن تداركها.
ورد عن أمير المؤمنين : إذا أمضيت أمرا فأمضه بعد الروية ومراجعة المشورة» «عيون الحكم والمواعظ لليثي ص 136».
?