في بيتنا فأر
يخرج من غرفة ليدخل إلى أخرى، سريعا في جريه، خاطفا كالبرق، لا يكاد يشعر بوجوده حتى يختفي بسرعة، متعبا في ذاته، فالخسائر التي يساهم في ظهورها كثيرة ومؤثرة.
لكنه لطيف بمراوغته، يظهر الانكسار فيوحي لمن حوله بالضعف، وقد يتعاطف معه الكثير، إلا أن سمعته غير جيدة، فكونه أول من نشر مرض الطاعون في فترة زمنية غابرة، ظلت هذه السمعة تلاحقه بأنه أخطر مما يتوقعه البشر عنه، وما مظهره الصغير وملمسه الناعم إلا غطاء لشر يحمله وخطر يمتلكه قد يفتك بالناس في فترة قصيرة لسرعة توالده وتكاثره.
ألا يذكركم الفأر بأحد ما؟
ألا يذكركم بالمتملقين في المجتمع
ألا يذكركم بالخائنين والغادرين والعابثين بمشاعر الآخرين؟
قد لا تختلف سلوكيات بعض البشر عن سلوكيات الفئران، فالمراوغة والتحايل والتظاهر بالموت وقت الخطر والسرعة في الاختباء في دهاليز متشعبة كلها سعى لها الإنسان لتحقيق بعض مآربه وأهدافه.
لماذا لا يكون الإنسان واضحا دائما في تعامله مع الآخرين وصريح؟
سؤال يكثر طرحه في أواسط المجتمعات البشرية بمختلف ثقافاتها.
لماذا لا يكون الإنسان صريحا في حديثه لا يلف ولا يراوغ كثيرا، ينتقد العمل أو السلوك نقدا بناء وإيجابيا، فيحسن بصراحته تلك المواقف أو الأشخاص ويعيد صياغتهم من جديد.
يقال بأن الصراحة تكون أحيانا جارحة فنحتاج إلى تلك المراوغة أو لنسميها الدبلوماسية في الردود أو الانتقادات حتى لا ننفر الناس من حولنا، وهل بذلك نكون قد نفعناهم أم ساهمنا في ظلمهم لأنفسهم!.
أحيانا كثيرة قد يشار إلى الصريح من الناس بأنه «داج» «وقح» مفتقر إلى اللباقة والذكاء الاجتماعي،
والحقيقة أنه يجب أن تكون الصراحة في منتصف الأحكام، أي لا تكون فضة، تهدم وتميت، ولا تكون مجرد عبارات تملؤها المجاملات والمحسوبيات.
فالمجتمعات خلقت لتتآلف لا لتختلف ولتكن مترابطة في علاقاتها وليست متنافرة، تجلب الخير وتنشر المحبة ولا تختبئ في جحور الفردانية واللا مبالاة والأنانية.
لماذا ننخدع ببعض الناس، فبعد أن تعجبنا مظاهرهم ومحاسن نطوقهم، حتى نصدم في بعض مواقفهم اتجاه بعض الأمور أو الأحداث، هذا ما يدلنا على أن بعض العلاقات بين البشر غامضة وغير واضحة تحتاج إلى مزيد من الجهد حتى تفهم جيدا. وقد يصل الجهد هذا أحيانا إلى حد الألم.
الفأر رغم براءة مظهره وظرافته إلا أنه متفق عليه بأنه ليس بالضيف المرحب به في المنازل ولا حتى في الشوارع ولا في حياة أي أحد من البشر.
ورغم أن البشر لا تقارن لا بالفأر ولا بغيرها من الحيوانات، إلا أن علماء النفس والسلوكيين لم يتفقوا على صفة واحدة تجمع جميع البشر.