مع كل التقدير هذه ليست الصين هي السعودية
شبهت وكالة بلومبيرغ الحراك الحيوي الذي تشهده السعودية منذ انطلاقة الرؤية والسعي الجاد لتحقيقها، بما شهدته الصين إبان تحولها إلى اقتصاد السوق. وليس من شك أن الصين حققت معجزة اقتصادية منذ أن أطلق دينج زيابينج الإصلاحات الاقتصادية في العام 1978. عند تلك النقطة كان اقتصاد الصين صغيرٌ ضامر يقدر بنحو 60 مليار دولار.
وكانت القضية الأساس أنهُ كانَ اقتصاداً بلا روح المبادأة وحق الملكية الشخصية، فكان التغيير هو الانتقال بالقطاع الزراعي من شيوع الجهد إلى أن من حق الأسرة أن تدخل في تعاقدات وتحتفظ لنفسها بجزء من الفائض «أي الربح»، تبعها في العام 1979 إنشاء مناطق اقتصادية خاصة على السواحل لاستقطاب الاستثمار الأجنبي ولنقل التنمية ولتنمية صادرات الصين، وبعد ذلك أتى اعتراف الصين بأن السوق تعمل وفقاً للعرض والطلب وأن تقاطعهما يحدد السعر، وليس قرارات إدارية!
يختلف الحراك المعاش في السعودية نوعاً، أخذاً في الاعتبار أن الرؤية وضعت سياقاً جديداً لكنه يرتكز إلى مكامن القوة هي: العمق العربي والإسلامي، والقدرات الاستثمارية الضخمة التي تمتلكها السعودية فهي المحرك للاقتصاد السعودي أولاً وقبل أي شيء. ولا جدال بشأن أهمية الاستثمار الأجنبي لاعتبارات عديدة والسعي لاستقطاب المزيد منه، إلا أن الاستثمار المحلي يبقى هو المرتكز ويشكل ما فوق 90 بالمائة من الضخ الاستثماري «الرأسمالي والانتاجي» في المدى المنظور «حتى العام 2030»، فمثلاً تشكل الملكية الأجنبية 3,5 بالمائة من السوق المالية السعودية“تداول”، علماً بأنها استقطبت مزيداً من الاستثمارات بنحو 10 مليارات ريال مقارنة الربع الثالث للعام 2023 مقارنة بالربع النظير من العام 2022. ومكمن القوة الثالث للرؤية هو الموقع الجغرافي الاستراتيجي لبوابة العالم.
التحول الارتكازي هو إطلاق سمو ولي العهد رؤية تقوم على“أن الله سبحانه حبانا وطناً مباركاً هو أثمن من البترول..”. وعليه، فالأمر لا يقتصر فقط على الاقتصاد بل يشمل المشهد السعودي برمتهِ، ويقوم هذا السياق على: «1» استنهاض مكامن القوة ومرتكزاتها، «2» تحويل مراكز التكلفة ومراكز الخسارة إلى مراكز ربح، «3» وعدم تفويت الفرص، و«4» التصدي للتحديات وتجاوزها.
السعودية لم تك قط مغلقة ولم تتخلى قط عن اقتصاد السوق أو تزهد بالاستثمار المحلي أو الأجنبي، نلاحظ ذلك على امتداد تعاقب العهود والمراحل، لكن مع مرور الوقت كان هناك تحولاً متصاعداً للاعتماد على إيرادات النفط حتى صبغ الاقتصاد بصبغته - بعد الارتفاع الكبير في إيراداته في سبعينيات القرن الماضي - حينما شهد الانفاق الحكومي تصاعداً أُسيّاً توسع على إثره الدور الاقتصادي للحكومة في الاقتصاد وفي نموه وفي التنمية الاجتماعية، مما تطلب تدوير محركات القوة كافة، لا الاكتفاء بأحدها «النفط» وترك بقية المحركات دون استثمارها وتوظيفها لحفز النمو وتنويع الاقتصاد وتعزيز استقراره بما يجعله أقوى على تحمل الهزات والنهوض للتحديات.