ستسقط الأقنعة يوماً
عندما تصل الشخص طعنةٌ في ظهره سيُصدَم حتماً وسيحس بألم عمق الجرح، ولكن لا بأس بذلك فالألم لن يستمر طويلاً، وبعدها ستقوى مناعته وسيتمكن من تحصين نفسه بعد ما تسقط الأقنعةُ الزائفة، وتتعرى الوجوه الكاذبة، ربما يعتبر البعض هذه طيبة زائدة أو يسمونها غباءً بالنسبة لهذا الشخص المصدوم، ولكن في رأيي بأن هذا دليل على صفاء قلب هذا الشخص ودليل على صدقه مع الآخرين وحب الجميع والعيب يكون في صاحب القناع المزيف فهو الجبان الذي تخفى وراء قناعه الرخيص.
في مجتمعنا نرى الأقنعة المزيفة كثيرة رخيصةٌ بعضها وتُخفي وراءها نفوساً مريضة، للأسف فهم إذا تحدثوا كذبوا وإذا اؤتمنوا خانوا وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا تنفسوا في الهواء فإنهم سيلوثونها بالجراثيم، وما إن تعايشنا مع بعضهم فمن المؤكد بأن هذا لن يستمر طويلاً وحتما سيظهر الوجه القبيح الذي يتستر عادةً بقناعه الذي يتشكل مع المواقف كالحرباء التي تتلون خوفاً من الأخطار، ستسقط تلك الأقنعة حتماً يوماً مهما كانت درجة إتقانها، وفيهم يقول الله تعالى: «يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ».
فعندما تأتي الشدائد سيظهر كل شخصٍ أمامنا بوجهه الحقيقي، وتوضح لنا بعد ذلك الحقائق المخفية، وهنا بعد خلع الأقنعة سنكتشف معادن الناس إن كانت أصيلة أو لا، كما المعادن في باطن الأرض فمنها الذهب ومنها الحديد، فإن معادن البشر تختلف اختلافاً واضحاً في طبيعتها وفي صفاتها ولا علاقة لها بمنصب أو جاهٍ أو مال وإنما معدن الإنسان يتحدد بأخلاقه النبيلة وقوة إيمانه بالله، وحين تشتد بنا المحن سوف يتبين لنا الشخص الحقود والحسود كما سيظهر أمامنا أصحاب المصالح، فالمحن والشدائد هي فقط من تحدد لنا أصحاب الخير وأصحاب الشر ولولاها لما استطعنا أن نميز الطيب من الخبيث.
وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي حيث قال في الماكرين:
بَرَزَ الثَعلَبُ يَوماً في شِعارِ الواعِظينا
فَمَشى في الأَرضِ يَهذي وَيَسُبُّ الماكِرينا
وَيَقولُ الحَمدُ لِلهِ إِلَهِ العالَمينا
يا عِبادَ اللَهِ توبوا فَهوَ كَهفُ التائِبينا
وَاِزهَدوا في الطَيرِ إِنَّ العَيشَ عَيشُ الزاهِدينا
وَاطلُبوا الديكَ يُؤَذِّن لِصَلاةِ الصُبحِ فينا
فَأَتى الديكَ رَسولٌ مِن إِمامِ الناسِكينا
عَرَضَ الأَمرَ عَلَيهِ وَهوَ يَرجو أَن يَلينا
فَأَجابَ الديكُ عُذراً يا أَضَلَّ المُهتَدينا
بَلِّغِ الثَعلَبَ عَنّي عَن جدودي الصالِحينا
عَن ذَوي التيجانِ مِمَّن دَخَلَ البَطنَ اللَعينا
أَنَّهُم قالوا وَخَيرُ القَولِ قَولُ العارِفينا
مُخطِئٌ مَن ظَنَّ يَوماً أَنَّ لِلثَعلَبِ دينا