آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

حكاية إنعاش

مفيدة أحمد اللويف *

في لحظاتٍ كادت فتاةٌ أن ترحل وفي حضور جميع الطاقم بالمستشفى، دون أن يستوعبوا جميعهم أنها كانت تُحتَضر، لم تتخيل تلك الفتاة أن ذلك اليوم سيكون بدايةً لنهايةٍ كادت تكون محتمة لولا مقاومتها وإصرارها على الاستمرار، فتاة في عمر الزهور تدخل إلى غرفةِ العمليات من أجل عمليةٍ بسيطة؛ حيث إن الطبيبة أكدت لها أنه لا توجد أي أعراض جانبية ستحدث بعد العملية - بإذن الله - فقد عملها الكثيرون قبلها، وكانت ناجحة فهي عملية سهلة وليست خطيرة، ولكن القدر غير هذا كليًا، فبعد خروج الفتاةِ من غرفة العمليات، فقد كانت مبتهجةً وكلها حيوية ونشاط وكل العلامات الحيوية كانت تدل على نجاح العملية - ولله الحمد - فسار يومها بشكلٍ طبيعي جدًا.

كانت العملية في الصباح وانتهى اليوم بلا أي آثارٍ أو أعراضٍ جانبية، كانت الفتاة تعاني من فقر دمٍ بسيط، وقد قررت الطبيبةُ أن تعطي الفتاة دمًا في الوريد تعويضًا فقط عن ما فقدته أثناء العملية حتى ترجع نسبة الهيموجلوبين لما كانت عليه قبل العملية.

في اليوم التالي استيقظت الفتاة باكرًا، وتناولت وجبة الفطور، وفي هذه اللحظة كانت البداية لأعراض الموت المحتم حيث أحست بنقص الأكسجين، وكانت حينها لا تستطيع التنفس وبنفس الوقت كانت تتعرق، أخبرت الممرضة فورًا أنها تحتاج إلى الأكسجين، وأنها لا تستطيع أن تتنفس فأحضرت لها الأكسجين وقامت بقياس الضغط، ولسوء الحظ كان ضغط الفتاة منخفضاً جدًا، وكانت حالتها تسوء مع الوقت، وقد بررت الطبيبة والممرضات بأن هذا طبيعي مع أعراض فقر الدم، كان يومًا عصيبًا على تلك الفتاة فهي ملزمةٌ بأن تتحرك من السرير حتى تتعافى سريعًا لتخرج من المستشفى، الفتاة تبدو قويةً جدًا أمامهم؛ لأنها تحاول أن تعتمد على نفسها كليًا بعد العملية، ولكنها كانت تُحتضَر فعليًا فعند دخولها لدورة المياه زادت حالتها حيث لا أكسجين يصل إلى الدماغ فتخرج الفتاة مسرعةً لتطلب المساعدة، ولكنها تسقطُ فورًا على الأرض، فتأتي الممرضات لحملها وإسعافها وقياس ضغطها، كانت الفتاة تعي ما يدور حولها، ولكنها كانت تختنق فلا أكسجين يصل لدماغها وضغطها في نزولٍ مستمر، وكانت تتعرق كأنها لحظة موتها.

جاءت مساعدة الطبيبة لتحاول مع الفتاة أن تتحرك ولو على حافة السرير، ولكن للأسف كانت الفتاة لا تملك أي طاقة فتشير بيدها أنها لا تستطيع، حينها أدركت الطبيبة أن الفتاة في خطرٍ محتَّم، فطلبت من الممرضات نقل الفتاة بسرعة لأشعة الموجات فوق الصوتية Ultrasound, اجتمعت الممرضات وبعض العاملات حول تلك الفتاة متأثرين جدًا، فقد كانوا متفاجئين من حالتها لأنها ذبلت بشكلٍ سريعٍ ومفاجئ، وبعد الأشعة طلبت الطبيبةُ بشكلٍ طارئ أن تُدخل الفتاةَ مرةً أخرى غرفة العمليات؛ حيث إنها اكتشفت وجود نزيف داخلي كاد أن ينهي حياةَ تلك الفتاة.

مضت ثلاثُ ساعاتٍ والطبيبةُ مع الفتاة داخل غرفة العمليات ليُفتَح جرح العملية للمرة الثانية، بعدها استيقظت الفتاة لتحيا من جديد وتتلاشى - بحمد الله - كل الأعراض الجانبية التي عانت منها الفتاة وكأن شيئًا لم يكن، لاحظت الفتاة وجود أربع إبر من المحاليل الوريدية قد ثُبِتت في يديها، وذلك في سبيل إنقاذها من الموت المحتم، أكثر من خمسة أكياس دمٍ قد نُقِل لها لتقف من جديد بعد يومٍ قد اسوَدَّ بسقوطها، وقد رحلَ ذلك اليوم المعتم أخيرًا فبنهايتهِ تتلون أمامها الحياة من جديد فشكرًا للخالق فلولا عنايتهِ ورحمتِه لما كُتِب لها أن تعيش يومًا جديدًا.