لا يمكننا هزيمة السرطان إلَّا بالتسليم بوجود اختلافات بين الرجال والنساء
24 أكتوبر 2023
بقلم إيسي غودفري
المترجم: عدنان احمد الحاجي
المقالة رقم 319 لسنة 2023
We can"t defeat cancer without acknowledging the differences between men and women
24 October، 2023
Isy Godfrey
تبحث إيزي غوزفري Isy Godfrey في لماذا لا تزال الفوارق بين الجنسين فيما يتعلق بمرض السرطان قائمة وتحدثت عن ذلك مع الدكتورة آنا ويلكنز Anna Wilkins بخصوص بحوثها التي سلطت الضوء فيها على الفجوة بين الجنسين فيما يتعلق بالتعافي من سرطان المثانة.
على مدى أجيال، استخدم المجتمع الطبي نموذج رجل يبلغ وزنه 70 كيلوغرامًا كمعيار ارشادي للتعليم والبحوث والممارسات الطبية. وهذا يعني أنه في الكثير من الحالات، على الرغم من أن نوع العلاج وجرعته ومدته الموصى بها قد تكون فعالة لمجموعة الذكور الذين يزنون ما يقرب من 70 كجم، إلا أنها قد تكون بعيدة عن المثالية بالنسبة لمعظم الناس، بما فيهم جميع الإناث.
في الأورام السرطانية، عوامل جسمانية متعددة تلعب دورًا في مدى ظهور المرض وتقدمه واستجابته للعلاج، وترتبط العديد من هذه العوامل بنوع الجنس.
الاختلافات بين الجنسين فيما يتعلق بالإصابة بالسرطان ليست فكرة جديدة من الناحية الفنية، ولكن أُغفلت من الناحية التاريخية إلى حد ما. ومع ذلك، بدأ الباحثون مؤخرًا في الكشف عن بعض الآليات الكامنة وراء مدى تأثير جنس الشخص في إصابته بالسرطان. إدراك أن مثل هذه المعرفة قد تنفع لتحسين نتائج العلاجات لجميع المرضى في يوم من الأيام قد أعطى كثيرًا من الباحثين الدافع والحافز للتعمق في هذا المجال من البحوث.
الكثير من الاختلافات بين الجنسين «الذكور والإناث» لها علاقة بالسرطان وعلاجه
الاختلافات التشريحية بين الذكور والإناث معروفة جيدًا. الاختلافات لا تقتصر على أن لدى الذكور أعضاء جنسية مختلفة عن الإناث فحسب، بل لديهم أيضًا كتلة عضلية وعظمية أعلى من تلك التي لدى النساء، ومن ناحية أخرى لدى الذكور كتلة دهنية أقل مما لدى الإناث وشكل جسم مختلف عنهن بشكل واضح. لدى الذكور أيضًا نسبة ماء عالية في الجسم، والتي، إلى جانب الاختلافات في الأيض وكتلة الدهون، يمكن أن تؤثر في مدى استجابة الجسم للأدوية القاتلة للسرطان «العلاج الكيمائي [1] » ويحللها.
ترجع بعض هذه الاختلافات إلى أن الذكور لديهم كروموسوم Y واحد وكروموسوم X واحد، بينما لدى الإناث كروموسوما X. في الواقع، تشير الأبحاث إلى أن الوراثيات «جينتكس» تلعب دورًا بالغ الأهمية، مما يفيد بأن عملية التعبير الجيني [2] لما يصل إلى ثلث الجينوم تختلف بين الذكور والإناث.
لدى كل من الإناث والذكور أيضًا هرمونات جنسية مختلفة تؤثر في الأوعية الدموية والخلايا المناعية والجزيئات التشويرية signalling molecules وغيرها من السمات التي تحيط بالأورام، والمعروفة باسم بيئة الورم السرطاني المكروية [3] . بالنسبة لأنواع السرطان التي تعتمد على الهرمونات أو الحساسة لها، قد تعزز هذه الهرمونات تطور المرض وانتشاره في الجسم.
الصورة: البيئة المكروية المناعية المعقدة للورم في عينات المرضى المصابين بسرطان العضلة البولية في المثانة الغزوي، والتي تم التقاطها باستخدام لوحة التألق المناعي «الفلورة المناعية» المتعدد الجديدة. مصدر الصورة: إيمي بيرلي Amy Burely، طالبة دكتوراه في مجموعة الدكتورة ويلكن البحثية،
وكشف الباحثون أيضًا عن اختلافات بين الاستجابات المناعية لدى الذكور والإناث. ويعتقد الباحثون أن هذه الاستجابات المناعية تكون عادة أقوى لدى الإناث، التي تعمل هذه المناعة على محاربة الكائنات الدقيقة، مثل البكتيريا، المسببة للأمراض وتتخلص منها إلى خارج الجسم بسرعة كبيرة، اللقاحات تعمل على تعزيز وتقوية استجابة الجهاز المناعي لها. وبالعكس، غالبًا ما تكون الإناث أكثر عرضة للإصابة بحالات التهابات وأمراض المناعة الذاتية [4] ، والتي يرتبط بعضها بزيادة احتمال الإصابة بالسرطان.
كل هذه الاختلافات تعني أنه على الرغم من أن الذكور أكثر احتمالًا للإصابة بالسرطان من الإناث [5] وبنهاية «مآلات» سيئة، إلا أن الإناث أكثر احتمالًا للتعرض لمضاعفات جانبية ناتجة عن علاجات السرطان [6] ، بما في ذلك العلاج الكيميائي والعلاج الموجه [7] والعلاج المناعي [8] ، تبلغ نسبتها 34%.
عدم تمثيل الإناث بنسبة كافية في التجارب السريرية يمثل عائقًا من عوائق علاجات السرطان.
ويتمثل جزء كبير من المشكلة في أن التوصيات بالعلاج تستند إلى نتائج التجارب السريرية، والتي لا يمكن تعميمها إلا إذا كان المشاركون في التجربة يمثلون مجموعة المرضى المعنيين. وهذه تعتبر مشكلة لأن الإناث بشكل عام لم تُمثل في التجارب السريرية إلَّا بنسبة متدنية بالمقارنة بالرجال.
على سبيل المثال، بين عامي 2003 و2016، مثلت الإناث أقل من 10% من المشاركين في تجارب سرطان الرئة والبنكرياس [9] ، على الرغم من أنهن كن يمثلن أكثر من 40% من المشخصين بسرطان الرئة والبنكرياس. وفي عام 2018، شكلت النساء 38% فقط من مجموع 5157 شخصًا شاركوا في تجارب دراسة الأورام التي أدت إلى اعتماد أدوية جديدة [10] .
يعود تاريخ عدم كفاية المشاركات من الإناث المحشودة في تجارب دراسات الأورام إلى مخاوف من أن التقلبات الهرمونية الشهرية المنتظمة «الدورية» قد تؤثر في النتائج وأن التدخل العلاجي الذي يُجرى عليه الاختبار قد يؤدي إلى تشوهات جنينية لدى النساء القادرات على الحمل والانجاب.
كما لعبت بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالجنس «الإناث هنا» دورًا أيضًا. تشير الأبحاث إلى أن بعض الجهات الراعية «ماليًا» للتجارب والأطباء يعتقدون أن النساء يجلبن معهن تعقيدًا إلى التجارب السريرية [11] وأن ”مشاعرهن وحساسياتهن العالية“ قد تؤثر في مدى وكيف يفدن الباحثين عن أعراضهن. ومع ذلك، لم تعد هذه الأعذار مقبولة بعدئذ [12] .
المعرفة المحسنة والمعززة دافع مهم لإحداث التغيير المطلوب
لكي تتحسن الأمور، فمن الأهمية بمكان أن يعمل الباحثون على الفهم بصورة أعمق للتأثيرات المعينة الخاصة بالاختلافات بين الذكور والإناث فيما يتعلق بأنواع السرطان المختلفة.
ساهم الباحثون في معهد بحوث السرطان في لندن مؤخرًا في تأليف ورقة بحثية تسلط الضوء على مدى تأثير نوع الجنس في الإصابة بسرطان المثانة وفي معدل الاصابة بالسرطان بين الذكور والإناث [13] .
الدكتورة آنا ويلكنز Anna Wilkins، رئيس مجموعة البيولوجية الإشعاعية الإبسدوية Stromal Radiobiology في ICR ومستشارة في الأورام السريرية في مستشفى ماردين الملكي The Royal Marsden، وزملاؤها قرروا التركيز على سرطان المثانة جزئيًا لأن ”منطقة المثانة بشكل عام مهملة كثيرًا“ ولكن في المقام الأول كان ذلك بسبب ”دقة اختلافها غير المعهودة“. وأوضحت قائلة: ”الفرق بين الذكور والإناث يبدو أكثر بروزًا في سرطان المثانة، لذا يعتبر هذا النوع من السرطان فكرة جيدة للبدء منها. ويكون عدد الاصابات بالسرطان [14] أعلى في الرجال، ولكن مآلاته أسوأ لدى النساء. البيانات مذهلة جدًا.“
الفرق في عدد الاصابات بالسرطان [14] بين الجنسين
يعد سرطان المثانة أكثر شيوعًا بأربع مرات تقريبًا بين الذكور مقارنة بالإناث، ولا يمكن أن يكون ذلك بسبب الاختلافات السلوكية فقط. وعلى الرغم من أن بعض العوامل الرئيسة التي ترفع من احتمال الاصابة بالسرطان - كالتدخين والتعرض للأصبغة العضوية الكيميائية [15] - كان يُعتقد أنها مقترنة بالذكور أكثر من اقترانها بالإناث، إلا أن البيانات لم تعد تدعم هذا الاقتران.
تناولت الورقة التي نشرها الفريق البحثي مجالات واسعة من تلك التي تحتاج إلى دراسة للكشف عن سبب كون مآلات هذا النوع من السرطانات أكثر سوءً عادة لدى الإناث بالمقارنة بالذكور. وهذه تعد مهمة تنطوي على تحدٍ لأن التفاوت في عدد الاصابات بالسرطان يجعل إشراك النساء في التجارب السريرية أكثر صعوبة، مما يؤدي إلى بيانات غير كافية.
وبالتالي فإن نقطة البداية البديهية هي محاولة تحديد مقدار الاختلاف في عدد الاصابات بالسرطان [14] والذي يرجع في الواقع إلى عدم القدرة على تشخيص الإناث بشكل صحيح، وهذا يرجع جزئيا إلى سبب بيولوجي. عندما يظهر لدى الإناث دم في البول - وهو ما يُعتبر أحد أعراض سرطان المثانة الشائعة - فمن المحتمل أن يفترض الأطباء أن لديهن التهابًا في المسالك البولية «UTI». الأنبوب الذي يخرج من خلاله البول من الجسم هو أقصر في الإناث منه في الذكور، لذلك يسهل على البكتيريا الدخول إلى المثانة. وهذا يعني أن عدوى المسالك البولية هي أكثر شيوعًا بين الإناث منها بين الذكور.
الفرق في المخرجات «المآلات»
يحتاج الباحثون أيضًا إلى دراسة سبب سوء المآلات لدى الإناث. هل يرجع ذلك فقط إلى التشخيص في مرحلة متأخرة من تطور المرض، عندما تكون فعالية العلاج غير محتملة، أم أن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا؟
وتعتقد الدكتور ويلكنز أنه يجب على الباحثين أن يركزوا على المناعة، حيث أن الهرمونات الذكورية والأنثوية لها تأثيرات مناعية مختلفة تمامًا بين الجنسين.
وقالت: ”من المهم دراسة التغيرات المناعية المرتبطة بالجنس لأنها تحدد كيف تنشأ وتتطور جينومات الأورام وكيف تتمكن الأورام السرطانية من تجاوز «الهرب من» استجابة جهاز المناعة الجيني [16] “. ”لقد أثبتت هذه الدراسة بالفعل نجاحها في علاج أنواع أخرى من السرطان، على سبيل المثال، استخدمنا تقنية خفض مستويات هرمون التستوستيرون كعلاج أولي لسرطان البروستاتا“.
يحتاج الباحثون أيضًا إلى التأكد من أن لديهم بيانات كافية لفهم سبل علاج الذكور والإناث المصابين بسرطان المثانة بشكل أفضل. قد يعني هذا تحليل البيانات والاختلافات الخاصة بالجنس، الأمر الذي سيتطلب من مصممي التجارب السريرية إدراج الاختلافات بشكل هادف في تصميم التجارب السريرية وفي اصدار التقارير عنها.
وحرصت الدكتور ويلكنز على التأكيد على أن هذا البحث يمكن أن يفيد الجنسين، ولا يقتصر على النساء فقط.
"إذا تمكنا من البدء في فهم سبب وجود هذه الاختلافات، نأمل أن نتمكن من تحسين فهمنا للورم. قد يؤدي الكشف بالتفصيل عن سبب وجود هذه الفوارق إلى أساليب بحثية جديدة في سرطان المثانة ليس لها علاقة بالجنس.
التطلع إلى ما هو أبعد من سرطان المثانة
ويأمل الباحثون في هذه الدراسة أن تؤدي نتائج هذه الدراسة إلى توسيع نطاق البحث في جميع أنواع السرطان. وبالإضافة إلى إمكانية تحسين مخرجات المرضى وذلك بتحسين التشخيص والعلاج، فإن هذا يمكن أن يقلل العبء الذي يفرضه السرطان على الجهاز الصحي.
وخلصت الدكتورة آنا ويلكنز إلى قول ما يلي:
"لقد أحرزنا تقدمًا واسعًا في الكشف عن عدد كبير من العوامل التي يمكن أن تؤثر في احتمالية إصابة شخص بالسرطان والتأثير في مدى استجابته للعلاج. لقد عرفنا منذ فترة طويلة أن العوامل الداخلية - جينات الشخص ووظائف جهازه المناعي وهرموناته - لا تقل أهمية عن العوامل الخارجية في بعض أنواع السرطانات، ونحن نعرف مئات من المؤشرات البيولوجية التي تساعد الأطباء على فهم بيولوجيا الورم الخاصة بالشخص. ومع ذلك، فإن العديد من الفجوات بين الجنسين في حالات الإصابة بالسرطان ومآلاتها لا تزال غامضة.
”لا يمكننا التأخر أكثر - نحن بحاجة إلى الإجابة على أكبر عدد ممكن من الأسئلة المعلقة حتى نتمكن من تحسين حياة جميع المصابين بالسرطان.“