آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:28 م

ترميم العلاقات الإنسانية

ليلى الزاهر *

عندما يصبح البيت قديمًا متهالكًا، تبقى لحظةُ الرحيلِ هي اللحظة الفارقة وتبدو الأمور أفضل بكثير عند استبداله بسكن آخر أكثر حداثة.

بينما يحبذ البعض ترميم وصيانة منزله ليصبح مطابقا لمواصفات البناء الحديثة دون الاهتمام بعمر المنزل الافتراضي.

ومن خلال ذلك الربط الاستنتاجي نستطيع أن نُدرك أهمية ترميم العلاقات الإنسانية وإصلاحها مهما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.

فالمتأمل في العلاقات الإنسانية يُلاحظ حاجتنا للترميم كثيرا ونسيان الإساءة والمبادرة بالعفو لأنها من شِيم الكرام

فعن أبي الأحوص عن أبيه قال: قلت يا رسول الله، الرجل أمرُّ به، فلا يقريني، ولا يضيّفني، فيمر بي أفأجزيه؟

قال: ”لا، أَقْره“. أي أكرمه ولا تعامل إساءته بمثلها.

تحتاج العلاقات الإنسانية إلى بيئة صحّيّة كي تنمو وتتطور ولا يتم بناء أيّ علاقة إلّا بتوحيد المشاعر قبولًا وإيجابًا، من جميع الأطراف؛ لذلك كان البناء سهلًا. أما ترميم العلاقات الإنسانية بعد تهالكها وانهيارها فيعدّه البعض أمرًا صعبًا لأنه بحاجة إلى ذاكرة ضعيفة، تنسى الألم، وتتجاهل الإساءات الماضية، وتنسجم مع التنازلات لإبقاء الودّ بين الطرفين، خاصّة عندما تكون العلاقة من قرابة الدرجة الأولى.

قال الله تعالى:

﴿وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ «الشورى، آية: 39» فمثلًا عندما ترى الصورة الخارجية للزواج بمعناه الحرفيّ سوف تتشكل أمامك كتلة ضبابيّة تمنعك من الولوج لصميم الواقع.

فالمُنهك من أعباء الحياة سوف يشعر براحة البال إذا غطّت عيناه تحت سقف عائلته، ويجد أنواع الدعم بأشكاله المتعددة. وهذا ما يُمثل ذكريات افتقدها من فك رباط عائلي بين زوج وزوجة، أو بين أخ وأخت أو حتّى بين أب وابنه فيبادر بخط العودة عندما يتذكر محاسن الآخر، وتزيد احتمالات التغاضي عن الأخطاء ونسيانها لأن المشاعر الإنسانية لاتموت بل يحنّ أصحابها لمن لهم بصمة مميزة تركوها في طريقهم.

إنّ بناء العلاقات المتهالكة من جديد يحتاج إلى قلبٍ كبير، وطاقة عالية من التّسامح، قد لا يمتلكها الإنسان لذلك كان التّشجيعُ ربانيّا، والأمر إلهيّا ولا أصدق من قول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ حين يكون العفو لوجه الله تعالى إذ يقول: «ثَلَاثٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنْ كُنْتُ لَحَالِفًا عَلَيْهِنَّ: لَا يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا، وَلَا يَعْفُو عَبْدٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا، وَلَا يَفْتَحُ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ»

ومن جانب آخر فإنّ الإنسان العاقل يحتاط كثيرًا في علاقاته، فيدرسها جيدا قبل توثيقها ولايُفرّط بالأحجار الكريمة التي باتت بحوزته ليقضي بقيّة حياته يجمع الحصى الرخيصة فاعتبروا يا أولي الألباب.