آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 11:51 م

ما هو المانع الشرعي في الصداقة بين الرجل والمرأة؟

زاهر العبدالله *

كثرت في الآونة الأخيرة العلاقات بين الرجل والمرأة سواء في وسائل التواصل الاجتماعية المتنوعة أم العمل أو السوق وغيرها، فخرجت أصوات تزعم البراءة وهي هذه صداقة لا أكثر، وليس فيها أي نوع من المحرمات بين الطرفين فما هو المانع الشرعي في صداقة الرجل والمرأة؟

وأعني بذلك صداقة الرجل والمرأة الأجنبية من غير محارمه أي التي يستطيع الزواج منها.

إن الإسلام جاء بشريعته المقدسة ليحفظ كرامة الرجل والأنثى، ويضع الحدود والقوانين التي تحفظ كرامة وعفة كل واحد منهما، وقنن العلاقة بينهما، فجعل جزءاً منها حلالا كما هو موجود في كيان الأسرة مثل الأم والأخت والزوجة والخالة والعمة والجدة، َوأباح الشارع المقدس له حدودا يحفظ فيها عرضه وعزه وشرفه فيها وهنا تستطيع في هذه المنطقة أن تكون صديقاً لأمك وزوجتك وأختك وبقية أرحامك. وجعل جزءا آخر وهن الأجنبيات عنه وهن اللاتي يحل له الزواج منهن ووضع حدودا تحفظ الاثنين بأن لا يتجاوز أحدهما الآخر، هذه الحدود كي لا تكون هناك فتنة من وراء هذه العلاقة وأعطى التحذيرات الأولية.

ومن تلك الحدود:

1 - عدم الخلوة بين الرجل والمرأة:

فقد روي عن نبينا الأعظم محمد ﷺ أنه قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان» وهذا من باب صيانة المرأة ووقاية للرجال كما روي عن أمير المؤمنين علي أنه قال: صيانة المرأة أنعم لحالها وأدوم لجمالها». [1] 

2 - عدم لين الكلام أثناء الحديث مع الرجال:

قال تعالى ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب: آية 32].

وصحيح أن الخطاب موجه لنساء النبي الأعظم ﷺ ولكنه عام لجميع النساء، وقد ورد في الروايات ما يشير إلى جمال العفة والحياء والحجاب المعنوي والظاهري.

فدرع التقوى وحجاب الحياء والعفة يمنع الفطرة السليمة أن تُكون صداقة أو علاقة غير شرعية بين الرجل والمرأة. ولهذا السبب وضع لنا أهل البيت قواعد أخلاقية تحفظ كرامة الرجل والمرأة كي لا يقعا في طريق خطوات الشيطان التي حذر منها القرآن الكريم.

بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة: آية 208]، فجاء أهل البيت ليؤكدوا معنى هذه الآية المباركة لتكون لنا سوراً نحفظ بها أنفسنا. كما ورد في الحديث عن أمير المؤمنين أنه قال: «الفتن ثلاث: حب النساء وهو سيف الشيطان... فمن أحب النساء لم ينتفع بعيشه» [2]  والحديث يتحدث عن الحب غير الشرعي والصداقة بين الرجال والنساء غير المحارم وهو نوع من أنواع الحب غير المشروع. ولذا جاءت الروايات تعزز قوة إيمان الرجل والمرأة بدرع التقوى والحياء والعفة فقد ورد عن سيد الموحدين أنه قال: «تسربل الحياء، وادرع الوفاء، واحفظ الإخاء، وأقلل محادثة النساء، يكمل لك السناء». [3] .

والمستفاد من الروايات هو أنه ينبغي أن يقلل الرجل المحادثة مع النساء الأجنبيات فكيف بما هو أكثر من ذلك وهو الصداقة؟

3 - تكرار النظرة لها مقدمة وهي الريبة والشهوية

فالصداقة من لوازمها الحب والرغبة في اللقاء مرة أخرى، ولا تخلوا من هذه النظرة المتكررة من ريبة أو شهوة، وإن لم تصل لحد الزنا الفاحش ولذا حذرنا القرآن الكريم من الاقتراب من الزنا وهي مقدماته حيث قال تعالى ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء: آية 32]. الآية هنا تشير إلى الاقتراب وليس الوقوع في الزنا فتأمل. فمن مصاديق الاقتراب تكرار النظرة فقد روى ابن أبي عمير عن الكاهلي قال قال أبو عبد الله ، النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة. [4] .

الخلاصة: علينا بتقوى الله في جميع أمورنا، وأن نأخذ ما ورد في القرآن الكريم والعترة الطاهرة ففيه الهدى والنور والسرور والفوز يوم القيامة ولا نصغي لغيرهم ولا تأخذنا العناوين البراقة التي تدغدغ مشاعرنا كالحرية والتمدن والحضارة والتقدم فنغفل عن تعاليم ديننا الحنيف وقيمه. وعلينا بالتمسك بأقوال الثقلين اللذين وجبت علينا طاعتهما في الدنيا كي ننجو من الهلاك في الدنيا والآخرة وهما القرآن الكريم والعترة الطاهرة كما قال لنا رسول الله ﷺ: «إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.» [5] .

فهذا الحديث الذي تواتر عن الفريقين السنة والشيعة به عصمة من الضلال والانحراف والله سبحانه وتعالى ورسوله ﷺ أعلم بما يصلح الإنسان، ويفسده وليس القوانين البشرية التي هي في كثير من الأحيان تكون في الأمور الاجتماعية فاشلة ونتائجها وخيمة في المنظور القريب والبعيد والحمد لله رب العالمين.

[1]  ميزان الحكمة لمحمد الريشهري ج 4 ص 2876.

[2]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري ج 4 ص 2875.

[3]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 4 ص 2876

[4]  جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 20 - الصفحة 279.

[5]  وسائل الشيعة «آل البيت» للحر العاملي ج 27 ص 34.