عفاف 7
لم أستطع النوم تلك الليلة، نوبات الألم تتكرر بين لحظة ولحظة... وصورة الخالة خديجة رحمها الله لم تفارق مخيلتي...
في الصباح جاء الفريق الطبي، وبعد الفحص الطبي مرة أخرى، قال أحد الأطباء: هل أنت مستعدة للأشعة فوق الصوتية لنتأكد من عدم تأثير الحصوات على المرارة؟
قلت له: نعم، أنا مستعدة...
أخذتني الممرضة لقسم الأشعة، وتم عملها... سألت اختصاصية الأشعة عن النتيجة، فأجابتني: الطبيب سوف يخبرك...
عند عودتي قالت الممرضة: لقد تم نقلك لغرفة أخرى، عليك أن تأخذي مقتنياتك الشخصية من الغرفة السابقة.
ذهبت للغرفة السابقة وهنا تذكرت الخالة خديجة فقلت: رحمك الله... ليتني كنت معك قبل الليلة الماضية...
بعد أن ذهبت للغرفة الجديدة، جاء الطبيب وقال: كيف هي صحتك، ألا تزالي تشعري بالألم؟!
أجبته نعم، نوبات الألم تتكرر بين البسيطة والشديدة، ثم سألته: هل ظهرت نتيجة الأشعة؟
أجابني: نعم، لديك حصوات في المرارة وهي التي تسبب لك هذا الألم وعلينا أن نجري لك عملية استئصال المرارة.
شهقت ماذا تقول عملية؟!
قال: لا تخافي فالعملية الآن ليست كالسابق، إنها من أسهل العمليات يمكن أن نعملها بالمنظار... سوف نقوم بإدخال كاميرا فيديو صغيرة وأدوات جراحية خاصة من خلال أربعة شقوق صغيرة لرؤية داخل البطن وإزالة المرارة. هذه العملية قد تستغرق ساعة أو ساعتين بالكثير...
سوف نجري لك العملية بعد الظهر...
قلت: أبهذه السرعة... إذاً لا بد من إخبار والداي بذلك...
قال الطبيب: هيا كوني مستعدة... سنكمل بقية الإجراءات وبقية التحاليل...
توكلت على الله، ”وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ“ الشعراء /80
سمعت صوتاً من ناحية السرير الآخر: هيا يا ولدي عليك أن تأكل... ماذا تريد أن أقدم لك؟ عسل مع لبنة، أم بيضة...
قلت: هذا المرض لا يعرف الصغار أو الكبار.
اتجهت ناحيتهم، سلمت عليهم... نظر إلي الطفل... لم يتفوه بكلمة...
قلت للأم: ربي يمن عليه بالصحة والعافية... أهو مريض سكلسل...
أجابتني: نعم... وبين فينة وأخرى يتم إدخاله لهذا القسم...
قلت لها: الحمد لله على كل حال... عندما كنت في عمره كنت مثله، وها أنا ذا في هذا العمر، بدأت حدة المرض تنخفض تدريجياً... ثم نظرت للطفل وقلت: ما اسمك يا بطل؟
ظل ساكتاً... قلت له: اسمي عفاف... صديقتك من اليوم... يمكن أن نتجاوز هذه المحنة...
كانت الأم تنظر إليّ وهي متعجبة من هذه السلاسة في الحديث...
قالت الأم: قل لها أن اسمك حسن... هيا قل...
صرت أتحدث مع أم حسن في مواضيع شتى ومن بينها البحث عن الوظيفة...
نظرت إليّ وقالت: هل تعملين معنا...
ابتسمت وقلت: أعمل معكم... ما هي الوظيفة الشاغرة عندكم؟!
قالت أم حسن: عندي معهد للتقوية المدرسية، مجموعة من البنات ممن يمتلكن كفاءة علمية وقدرة على التعليم اجتمعنا وأسسنا هذا المعهد، ندرس الرياضيات، الإنجليزي، العلوم، اللغة العربية، للمرحلة الابتدائية... وأظنك يا أستاذة عفاف لديك القدرة على ممارسة دور المعلمة...
ثم قالت: كل إنسان لديه طاقة خارقة في مجال معين لكنها في الغالب غير مستغلة.
يمكنك دومًا التغلّب على المواقف الصعبة من خلال التفكير خارج الصندوق. لا تستسلمي، ولا تكتفِ أبدًا بقبول الخيارات المتاحة أمامك. حتى وإن لم تكن هذه الخيارات مناسبة لك، فاصنع لنفسك مخرجًا آخر!
عليك أن توقظي قدراتك وتصنعي مستقبلك... إن بداخل كل فرد منا كنوزاً وطاقات وعلينا أن نكتشفها ونستثمرها...
صرت أنظر إليها ونسيت ألم المرارة...
صرت أفكر في قدراتي وتفوقي الدراسي، لقد تخرجت من الثانوية بتقدير ممتاز وحصلت على معدل ممتاز في اختبار القدرات والتحصيلي... كنت متفوقة في مادة الرياضيات... كنت أتمنى أن أكون معلمة وأدخل كلية التربية ولم أوفق لذلك..
صرت أفكر في الأمر، كيف لم يخطر ببالي هذا العمل؟! لماذا حددت تفكيري في هذه الوظيفة وعندما طردت منها صرت أبحث عن وظيفة مشابهة لها؟! إنه تفكير سلبي...
نظرتُ ناحية السيدة أم حسن وقلت في نفسي: قد يرسل الله لك حلولا لمشكلتك من حيث لا تدري ولا تتوقع...
في هذه الأثناء جاءت الممرضة وقالت: الأستاذة عفاف... هل أنت مستعدة لدخول غرفة العمليات هناك عدة إجراءات لا بد من عملها قبل إجراء العملية...
نظرت لـ حسن وقلت له: سأعود إليك... لقد وعدتك أن نكون أصدقاء...
نظرت إليّ أم حسن وقالت: ألا تخافي... إنها عملية جراحية...
ابتسمت وقلت: ”وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ“ إبراهيم/12
وغادرنا إلى غرفة العمليات...
للقصة بقية…