آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

ما هو تصورك عن الدين؟

علي العبد العال *

يضمحل معنى الدين حينما يُختزل وفقًا لسجالات عقائدية واستحضار قضايا تاريخية. يملكُ الدين تراثٌ غني وثري، الدين ليس مجرد طقوس يمارسها الفرد. ما نفهمه من الدين يعبّر عن تصورنا من الدين، تصورنا من الدين تصورٌ بشري نسبي، أي نفهمُ الدين وفقًا لخلفياتنا الثقافية والسياسية والاقتصادية. من الصعوبة جدًا أن نتجرد من القوالب الذهنية التي نتحرك من خلالها. لذلك يتنوع ويختلف فهمنا للدين تبعًا لاختلاف المجتمعات ونشأتها وتكوينها التربوي والثقافة التي تشكلها. عندما نتصور الدين بأنه صورةٌ أُحادية حينها يتشكل في ذهننا بأن ما نفهمه يعبّر عن حقيقة مطلقة وما سوى ذلك باطل. لكن عندما نعكس تصورنا عن الدين يبدأ لنا وكأن الدين فضاءٌ واسع يتسع للجميع، لا لجماعة تحتكر تصورها للدين. حينما يطغى الاعتقاد المغلق يُلغى الآخر، وعندما يُلغى الآخر تحضرُ صورةٌ نمطية من خلالها تتفشى بواعث الكراهية والنزاعات.

كثيرةٌ هي الصراعات نتيجةٌ لآفاق ضيقة تصورت أنَّ الدين احتكارٌ وفقًا لفهمها. الدين ليس صورةٌ نمطية تعبر عن مفهوم لجماعةٍ ما، لو كان الأمر كذلك لما تعدد الفهمُ الديني. ينبغي استحضار الصورة التي تعبر عن رحمانية الدين وأخلاقياته. الدين ليس عائقًا عن المعرفة والعلم والتعارف مع الثقافات الأخرى. والقرآن عبَّر عن ذلك بكل وضوح من خلال الآيات الكريمة. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: آية 13]. ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر: آية 18]. ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [العنكبوت: آية 20].

في كتابه الدين والنزعة الإنسانية يقول عبدالجبار الرفاعي: الدين ظاهرة مستمرّة ومتواصلة، وحاجة بشريّة لا يستغني عنها الإنسانُ، غير أنَّ تعبيراته وتمثُّلاته وطبيعة حضوره مختلفة من مجتمع لآخر. لذلك حينما ننطلق من فهمنا للدين الذي يلائم حاجاتنا المعنوية والروحية والعقلية، ويعزز القيم الأخلاقية التي تعتبر الآخرين شركاء لنا ومحلُ احترام يبرز هذا الفهم من خلال تعاملاتنا وسلوكياتنا. تلك الصورة التي تتجلى من خلال الرحمة واحترام الآخر والتعايش التي لا تؤطر الدين بنحوٍ ضيق يكون سببًا في تفشي العصبيات ينبغي أن تكون غايتنا. واستحضار هذه القيم يتطلب قبولها أولًا وتعزيز حضورها واعتبارها قيم إنسانية متاحة للجميع لا لفئة محدودة. إذًا، هل الدين الذي ننشده دينًا يعزز القيم الإنسانية، ويحترم الآخر أو دينًا ينكر الآخر ويكون سببًا للكراهية والنزاعات؟