آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

لو عاد الزمان إلى الوراء!

سهام طاهر البوشاجع *

لو عاد بي الزمان إلى الوراء لاخترت أن أتخصص في الهندسة والتصاميم بدلا من مهنة الطب.

لو عاد بي الزمان إلى الوراء قليلا لما تسرعت وقلت ما قلته لجدتي ذلك اليوم.

لو عاد بي الزمان إلى الوراء لما تسرعت في قرار انفصالي عنه.

مثل هذه الجمل نسمعها مرارا وتكرارا من أناس كثيرة قريبة أو بعيدة عنا أو حتى في حديث أنفسنا لأنفسنا، وكثيرة هي القرارات والمواقف والكلمات التي نتفوه بها ونعتمدها قد تكون لها تبعات وآثار تصاحبنا في حاضرنا وتسبقنا إلى مستقبلنا.

ولو عاد بنا الزمان حقا، فهل سنتخذ القرارات والمواقف السليمة والمختلفة؟

الماضي كاللص يتوارى عن الوجود ولكنه ليس «بميت» هو موجود وواقع لكنه كالشبح الخفي الذي يحوم حول الإنسان دون أن نراه، يتسلل إلى ذاكرتنا ويكشف عن نفسه متى أراد ليسطر جزءا من تفاصيل حكاياتها ويدق كالناقوس بصوت جلي واضح، يهيمن على الروح إما بحزن عميق أو سعادة غامرة، هكذا يراه البعض، فيما يراه البعض الآخر بأنه مجرد قصة يرويها الإنسان على نفسه باستمرار، قد تكون قصة يشوبها الندم فتظل تنهش في روحه لفترات طويلة، وقد يصاحبها الألم فتكون قصة موجعة، تؤرق النفس والروح كلما مرت بالذاكرة، ولربما تكون قصة من فرط سعادتها تطير لها القلوب وتحب أن تسترجعها مرارا وتكرارا.

فالماضي كالجملة الصريحة الواضحة القاسية أو الحانية، يحددها ما حدث في لحظاته وما بين دفة ساعاته؟

يعده علماء النحو على أنه ذلك الفعل الذي يدل على حدث وقع وانقطع قبل زمن التكلم، وأنه مبني دائما أي لا يتغير إعرابه حسب موقع في الجملة، وربما هذا يفسر أنه فعل مبني على الموقف نفسه، ألم كان وندم أم فرح وسعادة، وله من الصفات التي لا تجعله كالمستقبل مخيفا ومؤرقا لأنه قد حدث وانتهى، فلا غموض يلفه ولا تفكير زائد فيه يحدث.

البساطة أو التعقيد في حدث الماضي، سهل من ناحية أنه مضى ولن يعود، وإن عادت ذكراه فهو كحدث حقيقي لن يعود مرة أخرى، مما يسهل كثيرا الشعور به مرة أخرى، كالضيف الذي قد بات عندك ورحل وترك شيئا من رائحة عطره أو ملابسه.

واقعا الزمان لا يعود، وهذه الجملة التي نكررها «لو عاد بي الزمان» مجرد جملة نهدئ بها أرواحنا من ضغط الذكرى. ولقد جرب بعض العلماء اختراع آلة العودة بالزمن إلى الوراء ولكنهم فشلوا في ذلك، وإن كانت القصص الخيالية ما زالت تحاول أن تبني بقصصها عالما افتراضيا بهذا الشأن، فالكثير من الأفلام الأجنبية رأيناها تركز على هذه النقطة وتجعل من المشاهد يعيش الحلم كالحقيقة، ويتمنى بالفعل لو كان هذا الاختراع موجودا، ولكن العلماء بكل ما يمتلكونه من قوانين عن جاذبية الأرض والنسبية وتمدد الزمن كما ذكرها العالم ”آينشتاين“ لم يتمكنوا إلا بتسريع الزمن بجزء من الثانية فقط وفي عالم الفضاء وليس على الأرض، وقالوا بأن العودة بالزمن إلى الوراء مستحيلة؛لأن ذلك يتطلب جولة ذهاب وإياب، بسرعة تماثل سرعة الضوء في مركبة معينة، وهذا غير متوفر عمليا من الناحية التكنولوجية حاليا.

الزمان لا يعود، والأمنيات تبقى، تراود الخواطر، وتداعب الأرواح، وما فات قد فات، وأصبح من الماضي، يبقى فقط على الإنسان، الحذر فيما يقوله، أو في أي تصرف يقبل عليه، أو لأي موقف يتخذه، أن يراجع نفسه أكثر من مرة قبل الإقدام عليه أو تبني فعله، حتى وإن أصبح في الماضي، تبقى ذكراه جيدة ولا يتمنى وجود آلة زمن تعود به للوراء حتى يصحح أخطاءه أو يغيرها، ويجب عليه أن يحاول أن يبقي حظوظ الماضي أفضل من أي وقتا آخر بقدر المستطاع

«فلا بكاء على الماء المراق».

كاتبة ومحررة في صحيفة المنيزلة نيوز