عفاف 6
وصلت البيت كنت مرهقة،
استقبلتني والدتي، نظرت إليّ.. قرأت ما حدث،
احتضنتها وقلت ودموعي على خذي: إلى متى يا أمي؟!
أجابتني: توكلي على الله وأقبلي على الشدائد وأنتِ راضية، وتذكري أن لكل صبر وطول أناة فرج قريب، وأن الله حافظكِ مهما اشتد عليك الحال وطال ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور: آية 48] تذكري يا بنتي: إن الحزن إذا وقف في طريقك مرة فالفرح سيقف في طريقك مرات ومرات... كوني قوية كما عهدتك...
ذهبتُ لغرفتي ولكني كنت أشعر بألم في بطني، بدأ يزداد شيئا فشيئا...
شعرتُ بغثيان... سارعت لدورة المياه.. وما هي إلا لحظات حتى بدأت أتقيأ...
ناديت على والدتي...
اندهشت مما رأت... فمنذ لحظات كنت معها بكامل صحتي! ما الذي حدث...
حضر والدي.. سألني ما بك؟!
أجبته: أشعر بألم شديد في بطني...
هيا تجهزي علينا أن ننقلك للطوارئ...
في الطوارئ تم عمل الفحوصات والأشعة، وكانت النتيجة... التهاب حاد في المرارة..
قال الطبيب: يجب أن تدخل المستشفى قسم التنويم، ولكن للأسف لا يوجد سرير شاغر في قسم أمراض الدم، علينا الانتظار حتى يخرج أحد المرضى المنومين من قسم النساء...
انتظرنا قرابة الست ساعات... ولازلت أعاني من الألم... فأمر الطبيب بإعطائي بعض المسكنات...
في الساعة السادسة تم دخولي للمستشفى، عند دخولي الغرفة قالت الممرضة: عليك أن تتحملي المريضة التي بجانبك فهي كبيرة بالسن، ربما تزعجك...!
قلت لها: لا بأس...
بدأت بالعلاج...
جاء الطبيب وقال: علينا أن نتأكد من عدم انسداد قناة المرارة بفعل الحصوات، ولذلك علينا إجراء فحص بالأشعة فوق الصوتية، غداً صباحًا سيتم هذا الإجراء...
بدأت الآلام تهدأ قليلاً...
كنت أسمع أنين تلك المريضة العجوز...
عند الساعة الحادية عشر سمعت أنينها وكأنها تطلب ماء...
ضغطت على جرس الممرضة، انتظرت دقائق... ضغطت مرة أخرى... لم يأت أحد... قلت في نفسي عجباً أيعقل أن يكون القسم بلا ممرضة؟!
المريضة العجوز لا تزال تئن... م.. ما... ما...
لم أستطع البقاء على السرير وأنا أسمع هذا الصوت المتقطع... ضغطت على جرس الممرضة، وذهبت ناحية المريضة العجوز... اقتربت منها... أسمعها تطلب ماء... سكبت لها قليلا من الماء...
في هذه الأثناء جاءت الممرضة: ماذا تريد الخالة خديجة؟!
قلت لها: أين أنت؟! منذ متى وأنا أضغط الجرس... ألم تسمعي؟!
أجابتني: إذا عندك أي شكوى فيمكنك رفعها لإدارة المستشفى، حتى تعرف الإدارة أننا نعاني من نقص في طاقم التمريض، أنا ممرضة وحيدة في هذا القسم كيف لي أن أساعدك أو أساعد بقية المرضى... ثم إن هذه المريضة كان من المفترض أن يكون معها مرافق، جميع أبناءها يعتذرون بانشغالاتهم! فقط تأتي إحدى بناتها لزيارتها يوم الجمعة!!
قلت لها: أعتذر منك... مددت كوب الماء إلى فم المريضة التي فتحت عينيها ونظرت إلي... قرأت في عينها كلمات الشكر... شربت قليلا من الماء...
قلت للممرضة: هذا يعني أنه لم يزرها أحد منذ أسبوع؟!
أجابتني: نعم، وهكذا حالها ليليا، لا تقلقي سوف ننقلك للقسم الخاص بأمراض الدم المنجلي...
بدأت أنظر للمريضة التي أغمضت عينيها... وقلت: أهكذا يكون جزاء الأم؟!
لا أعلم لماذا استيقظت الساعة الواحدة... لم أسمع أي صوت للمريضة خديجة... بدأ القلق يراودني... ذهبت إليها... اقتربت منها... يا إلهي... خالة خديجة... إنها لا تتحرك...
خرجت من الغرفة وناديت الممرضة بصوت مرتفع...
جاءت الممرضة... ماذا حدث لماذا هذا الصراخ؟!!
قلت: الخالة خديجة... الخالة.... انظري إليها...
ذهبت الممرضة... نظرت إليها... وبسرعة ذهبت ناحية التلفون وطلبت فريق الأطباء...
جاءوا... ولكن...
قال أحدهم لقد توفيت منذ ساعة...
للقصة بقية