آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

كيفَ يقراُ الشَّاعر محمُود دروِيش المشهَد الفلسطِيني؟

محمد الحميدي

المواقِف والانفعالاتُ؛ هيَ ما يصنعُ الشَّاعر، وقصيدتَه، إذ ليسَ بإمكَان أيِّ شَاعر؛ تجاهُل ما يعتريهِ من مشَاعر، كَما لا يستطِيع الإمساكَ بمواقِف حياتِه، وتنظِيمها كَما يشَاء، هُما أمرانِ مُتلازمان، يؤثِّر أحدُهما في الآخَر، والشَّاعر بينَهما يكتوِي بالنَّار، ويتعمَّد بالدَّمع، وينزِف الحبرَ على أوراقٍ، سُرعان ما ستمتلِئ؛ بسببِ كَثرة الأحدَاث، وتتابُعها، وانهمارِها بلا توقُّف، وهوَ ما اتَّضح بصُورة جليَّة لدَى الشَّاعر محمُود دروِيش، الذي لم يهنَأ لحظَة بالسُّكون، وينعَم بالرَّاحة الذِّهنية؛ حيثُ ظلَّت تلاحِقه الأحدَاث، وتقضِي معهُ الأيَام والليَالي، إلى أن باتَ وإياهَا رفيقَي دَرب.

العلاقةُ مع الحُزن، إحدَى العلاقاتِ الماثِلة بينَ الشَّاعر والشِّعر، فالقصِيدة تنبعُ من الأَلم، وتتلحَّف المأسَاة، وتتوجَّع بالكَلمات على الواقِع، وهوَ فِعل الشَّاعر وفاعليَّته، وطريقتُه في مُقاربة الوجُود، والتَّعبير عنه، ومحمُود دروِيش من أصدَق الشُّعراء تعبيراً عن القضيَّة الفلسطِينيَّة ومآسِيها التي لا حدَّ لها؛ حيثُ رافقَها منذُ بداياتِه، وانغمسَ في تفاصِيلها، وامتزجَ بها، حتى باتَ التفريقُ بينَهما أقربَ إلى المستحِيل، فالقضيَّة هيَ الشَّاعر، والشَّاعر هوَ القضيَّة، وما بينَهما يتدفَّق الشِّعر تعبيراً صادقاً عن اليومِي والآنِي، في توصيفِه لمعاناةٍ لا تنتهِي ولا تتوقَّف، يمرُّ بها شعبٌ كَامل، أجبرتهُ الظُّروف على مُغادرة أرضِه، واجترارِ ألمه.

أمامَ هذهِ المأسَاة الرَّهيبة، والمصائِب التي لا تنتهِي، يُطل محمُود دروِيش من شُرفة سَماوِية إلى الأسفَل، حيثُ يلتقطُ المآسِي، ويُعيد صِياغتها كَأغنيات، تسيرُ بينَ البشَر؛ لترويَ حِكاية شَعب ظُلم واضطُهد، وأجبرتهُ الظُّروفُ على الفِرار، بعدَ ما تسلَّط عليه قتلةٌ ومجرمُون؛ احتلُّوا أرضَه، وأرادُوا نفيَ ما تبقَّى من ساكنِيه، وهيَ المأساةُ المستمرَّة إلى اليَوم، التي ظلَّت تتكرَّر بلا توقُّف، وكأنَّ الزَّمن يعيدُ تدويرَ الحدَث، فما وقعَ قبل رُبع قَرن، ظلَّ يتجدَّد تلقائيًّا، كحدَث يومِي، وآنِي، ومعَ تجدُّد الحدَث؛ تجدَّدت أُغنيات دروِيش، وأصبحَت جزءًا لا يتجزأُ من تاريخِ الشَّعب الفلسطِيني.

أهميَّة محمُود دروِيش لا تتمثَّل في الشِّعر فحَسب، وإنِّما في الموقِف من القضيَّة الفلسطِينيَّة؛ حيثُ انتقلَ بها من أُفُقها الحيَاتي الواقعِي إلى صُورة ذِهنيَّة رسَمها في وِجدان العَالم، ورسَّخها في ضمِيره، ولم يكُن ذلِك ليتُمَّ؛ إلا اعتماداً على أمرينِ اِثنين، هُما: شاعريتهُ العاليةُ وقربهُ الشَّديد من تفاصِيل القضيَّة، وهذانِ الأمرانِ لا يجوزُ الفصلُ بينَهما حِينما تتمُّ قراءةُ قصائِده، واستخراجُ مضامِينها ومدلُولاتها، فالشَّاعر والقضيَّة دالٌّ، والشِّعر هوَ المدلولُ الذي يرغبُ في إيصَاله إلى المتلقِّي.

الحياةُ والشَّاعر لا ينفصِلان، الحياةُ تقدِّم المواقِف والأحدَاث، والشَّاعر يستقبلُها ويتأثَّر بها؛ ليُنتج مشاعِر وانفعالَات، هكَذا تغدُو القصِيدة مزيجاً من الاثنَين؛ الواقِع والخيَال، الموقِف والانفعَال، وهوَ ما تُحاول القراءَة التَّالية لقصِيدة ”رثاء محمد الدرة“، للشَّاعر محمُود دروِيش، أن ترصُده وتستكشِف آفاقهُ عبرَ منهجيَّة «الحافز والقرينة».

الحافزُ

القضَايا الإنسانيةُ مؤثِّرة في نفسيِّات الأُدباء والكُتاب، ويتعاظمُ التأثِير إذا كَانوا شُعراء مرهفِي الحِس، ويصبحُ التأثِير طاغياً حينَما تتَّصل القضيَّة بالشَّاعر بصُورة وثِيقة، وهوَ ما نجدهُ في قضيَّة استِشهاد الفتَى ”محمد الدرة“ على يدِ الجُندي الإسرائِيلي.

الشَّاعر محمُود دروِيش يعيشُ مأسَاة الشَّعب الفلسطِيني، ويحمِل هُمومها على كَتفيه، ويكفِي أنْ يُعلم بتوجُّهه السِّياسي ومنصِبه في منظَّمة فَتح، لكَي تُقارن أشعارهُ وكتاباتهُ بما كَان يجُول في الأرضِ المُحتلَّة؛ ليستنتجَ القارئُ أنَّه أدبٌ ملتزمٌ بالقضيَّة، وغيرُ خارجٍ عن إطارِها وأدبيَاتها، واستشهادُ الدَّرة جاءَ ضِمن هذا السِّياق.

إذنْ تتحوَّل الشَّهادة لدَى دروِيش إلى فِعل يُغذِّي الشِّعر ويزيدُ اشتعالَه، وعبرَ هذا الاشتِعال أتَت قصِيدته ”رثاء محمد الدرة“، التي تمثِّل جزءًا من تاريخِه النِّضالي، وجزءًا من أدبهِ الملتزِم، فدروِيش ومأسَاة فلسطِين وجهانِ لعُملة واحِدة.

الشعورُ الطاغِي بداخِله جعلهُ يقاربُ استشهَاد الدرةِ بنوعٍ من الفجائِعيَّة المتَّصلة بالذَّات والوطَن، وكَذلك رغبتهُ في التخفيفِ من المُصاب، وتقديمِ العَزاء إلى والدَيه وأُسرته والشَّعب الفلسطِيني، الذين يمثِّلون في مُجملهم الحافِز الأسَاس، الذِي تسبَّب في ظهُور القصِيدة.

فكيفَ جاءَ هذا العزاءُ للذَّات وللوطنِ ولأُسر الشُّهداء، هذا ما ستعملُ القِراءة على بيانِه، عبرَ الاتِّكاء على مِنهاجيَّة ”القرائِن“.

القرينةُ

تنقسمُ إلى خارجيَّة وداخليَّة، وسنبدأُ بالخارجيَّة ثم ننتقلُ إلى الدَّاخلية،؛ لنكتشفَ كيفَ قاربَ محمودُ درويشُ قضِية استشهَاد محمَّد الدَّرة وكيفَ تفاعلَ معها، وإلى أينَ وصَل.

أولاً: القرائنُ الخارجيَّة: وهيَ تأتِي من خارِج القصِيدة وتتوفَّر ضِمن الكتَابات الإعلاميَّة والتاريخيَّة والسياسيَّة والتوثيقيَّة وغيرها، مِثل: نشَرات الأخبَار، والصَّحافة المقروءَة، ومحاضِر البُوليس، والمحَاكم، والسِّجل المدَني، والصِّحة، وبياناتِ الشَّجب، والتَّنديد، والاستنكَار، والتَّضامُن، والتَّعزية.

ثانياً: القرائنُ الداخليَّة: وتعدُّ أهمَّ من ناحِية التَّحليل والمُقاربَة؛ لأنَّها تدخُل في صمِيم عملِ القارِئ، وهيَ تنقسمُ إلى ثلاثةِ أنواع:

1/ العنوانُ: وجاءَ هكَذا ”رثاء محمد الدرة“، الذِي يُشير إلى موضُوعها الأسَاس، وهوَ الرِّثاء لهذا الشَّهيد المظلُوم البرِيء، على يدِ الجُندي الإسرائِيلي الغاصِب، وليسَ هُناك ما هوَ أدلُّ على المشاعِر من كَلمة ”رثاء“.

2/ الكلماتُ الافتتاحيَّة: وهيَ الكَلمات التي لا تنتمِي للقصِيدة، ولكنَّها تترافقُ معَها كتوضِيح أو شَرح لسببِ كتابتِها، ويبدُو أنَّ الشَّاعر لم يحتَج إليها؛ لأنَّ العُنوان جاءَ واضحاً ودالًّا دلالةً قطعيَّة على الحدَث.

3/ الكلماتُ الدَّالة أو المركزيَّة: جاءَت في القصِيدة كلمةٌ أساسيةٌ واحِدة هيَ ”محمد“، ورافقَها الكَثير من التفاصِيل، والصُّور المرسُومة لواقِع الطِّفل الفلسطِيني، كَما أنَّ القصِيدة لم تحتَج إلى أكثرَ من هذه الكلِمة؛ بسببِ اعتمادِها طريقةَ المقاطِع المجزَّأة.

احتوَت القصيدةُ سبعةَ مقاطِع، بدأَ كلُّ مقطَع بلفظِ ”محمد“، وهيَ الكلِمة الدَّالة واسمُ الشَّهيد، الذِي سيُرافق جميعَ تحولاتِها، الأمرُ الذِي سيسهِّل على القارِئ ربطَ أجزائِها ومقاطِعها، والمقاطعُ السبعةُ يمكنُ إجمالُها في التَّالي:

الأولُ: يُصوِّر الشَّهيد بينَ يدَي والدِه طلباً للحِماية من المَوت:

"محمّد،
يعشّش في حضن والده طائراً خائفاً
من جحيم السماء: احمني يا أبي
من الطيران إلى فوق! إنّ جناحي
صغيرٌ على الريح… والضوء أسود"

الثَّاني: رغبةُ الشَّهيد في مُمارسة حياتِه الطبيعيَّة في البيتِ والمدرسةِ والحيَاة عموماً:

"محمّد،
يريد الرجوع إلى البيت، من
دون درّاجة… أو قميصٍ جديد
يريد الذهاب إلى المقعد المدرسيّ…
إلى دفتر الصرف والنحو: خذني
إلى بيتنا، يا أبي، كي أعدّ دروسي
وأكمل عمري رويداً رويداً…
على شاطئ البحر، تحت النخيل
ولا شيء أبعد، لا شيء أبعد"

الثالثُ: مواجهتُه لمخاوفِه ودفاعِه عن حرِّيته ومُستقبله المظلِم في ظلِّ الاحتِلال:

"محمّد،
يواجه جيشاً، بلا حجرٍ أو شظايا
كواكب، لم ينتبه للجدار ليكتب:
”حريتي لن تموت“.
فليست له، بعد، حريّة
ليدافع عنها. ولا أفقٌ لحمامة بابلو بيكاسو.
وما زال يولد، ما زال
يولد في اسمٍ يحمّله لعنة الاسم. كم
مرةً سوف يولد من نفسه ولداً
ناقصاً بلداً… ناقصاً موعداً للطفولة؟
أين سيحلم لو جاءه الحلم…
والأرض جرح… ومعبد؟ "

الرابعُ: رؤيتهُ لموتِه القادِم وأُمنياته بالبقَاء متذكراً مشهداً تلفزيونيًّا حيثُ الفهدُ «= الجُندي الإسرائِيلي» يحجمُ عن قَتل ظَبي رضِيع «= محمَّد الدَّرة».

"محمّد،
يرى موته قادماً لا محالة. لكنّه
يتذكر فهداً رآه على شاشة التلفزيون،
فهداً قوياً يحاصر ظبياً رضيعاً.
وحين
دنا منه شمّ الحليب،
فلم يفترسه.
كأنّ الحليب يروّض وحش الفلاة.
إذن، سوف أنجو - يقول الصبيّ -
ويبكي: فإنّ حياتي هناك مخبأة
في خزانة أمي، سأنجو… وأشهد. "

الخامسُ: ينتقلُ المقطعُ لتصوِير جانبٍ من أفكَار الجُندي القاتِل، فالكَاميرا شاهِدة على ما سيَفعل، ويُعتبر من أجملِ مقاطِع القصِيدة؛ من ناحِية التَّصوير وتداخُل الأصوَات:

"محمّد،
ملاكٌ فقيرٌ على قاب قوسين من
بندقية صيّاده البارد الدم.
من
ساعةٍ ترصد الكاميرا حركات الصبي
الذي يتوحّد في ظلّه
وجهه، كالضحى، واضح
قلبه، مثل تفاحة، واضح
وأصابعه العشر، كالشمع، واضحة
والندى فوق سرواله واضح…
كان في وسع صيّادهِ أن يفكّر بالأمر
ثانيةً، ويقول: سأتركه ريثما يتهجّى
فلسطينه دون ما خطأ…
سوف أتركه الآن رهن ضميري
وأقتله، في غدٍ، عندما يتمرّد! "

السادسُ: يتحوَّل محمَّد إلى يسُوع جدِيد، يسُوع الزَّمن الحاضِر، الذِي يفتدِي الشَّعب الفلسطِيني؛ لتخليصِه من عذاباتِه، ويُعتبر مقدِّمة لإعلانِ الخبرِ الحزِين باستشهَاده:

"محمّد،
يسوع صغير ينام ويحلم في
قلب أيقونةٍ
صنعت من نحاس
ومن غصن زيتونة
ومن روح شعب تجدّد"

السابعُ: خاتمةُ القصِيدة، وإعلانُ انتقالِ الشَّهيد محمَّد الدَّرة إلى سِدرة المُنتهى:

"محمّد،
دمٌ زاد عن حاجة الأنبياء
إلى ما يريدون، فاصعد
إلى سدرة المنتهى
يا محمد"

هذهِ هيَ المقاطعُ التي جاءَت عبرَ القصِيدة، فصوَّرت تحولاتِ الحدَث، وكَيفيَّته، وكَذلك تفاعُل الشَّاعر معَه، ورسمهُ لصُورة الشَّهيد على ثلاثِ مراحِل؛ الأُولى بينَ يديْ والدِه ورغبتِه في الحيَاة، ثمَّ تداخُل صَوت القاتلِ وتفكيرِه بتأجِيل القَتل، لكنَّه لا يمتلكُ مشاعراً؛ لِذا قامَ بفعلتِه، وأخيراً استشهادهُ وانتقالهُ للرَّفيق الأعلَى.

الصورُ الثلاثُ التي رسَمها محمُود دروِيش، تختصِر دَورة الحيَاة في فلسطِين، وخصوصاً ضِمن الأراضِي والبلدَات الأكثرِ عُرضة للاعتِداء من قِبل العدُو؛ كَما هوَ شَأن غزَّة، ومخيَّم جِنين، والضِّفة الغربيَّة، وسِواها؛ حيثُ يستمرُّ في إيقَاع أكبرِ عدَد من الضَّحايا، عبرَ مُمارسات إجراميَّة مرفُوضة ومُدانة من القانُون الدَّولي، والمنظَّمات الإنسانيَّة.

الصورةُ الأُولى: صورةُ الفتَى بينَ يدَي والدِه؛ حيثُ الحيَاة تملأُ روحَه، والبهجةُ تسرِي في عرُوقه، فهيَ تمثِّل الأمَل في غدٍ مُشرق، يختارُ فيه طريقَه، ويشقُّ مستقبلَه؛ لأنَّ الإنسَان بلا حلمٍ، لا يعودُ إنساناً، بل مجرَّد هيكلٍ جامدٍ، خالٍ من المشَاعر والأحاسِيس، وهوَ ما يرفضُه، ويسعَى بكلِّ قواهُ إلى تغيِيره؛ من أجلِ تغيِير حالِه في وطنِه، فالعدُو يتربَّص به، ويسعَى للنَّيل من أحلامِه، وعليه أنْ يحافِظ عليها.

الصورةُ الثَّانية: صورةُ الجُندي الغاصِب، الذِي يتربَّص بالشَّباب الفلسطِيني؛ محاولاً اغتِيال أحلامِهم ومستقبلِهم، فيظلُّ يلهُو بهم، قبلَ أن يختارَ الشَّاب الذِي سيُطلق عليه النَّار؛ لتختنقَ أحلامُه، وينتهِي مستقبلُه، لكِن في أثناءِ اختيارِه، ورُغم أنَّه لا يمتلكُ مشاعراً؛ يقعُ تحتَ ضغطٍ شدِيد، نظراً لمراقَبة العَالم لأفعالِه وتصرُّفاته، وهوَ ما يقيِّد يدهُ عن التوحُّش والتوغُّل في سَفك الدِّماء، طَالما لا يمتلكُ عذراً؛ يقبلهُ العَالم.

الصورةُ الثَّالثة: صورةُ الشَّاب السَّاقط على الأرضِ برصَاص الجُندي، الذِي سئِم الّلهو، واختارَ ضحيَّته من بينِ الحشُود، ليسَ على سَبيل التَّعيين والتَّحديد، وإنَّما بشكلٍ عشوائِي، فالجميعُ سواسِية، وليسَ عليه التَّفريق بينَهم، بلْ يكفِي أنْ يوجِّه سِلاحه الفتَّاك؛ ليقتلَ مَن يشَاء.

الصورُ الثلاثُ ترسمُ واقِع فلسطِين في معاناتِها اليوميَّة، إذ الشَّعب يعيشُ على أحلَام، يرغبُ بتحقيقِها، لكِن ثمَّة عدوٌّ متربِّص، يمارسُ قتلَ الأحلامِ ودفنِها؛ عدوٌّ يفتقِد المشَاعر والأحاسِيس، وظيفتهُ أن يكُون آلة قَتل، لا تعرفُ الرَّحمة، ولا تتوقَّف عندَ طِفل أو شَيخ، فالجمِيع مُستهدَفون، طَالما يحملُون في داخلِهم أحلاماً، يسعَون إلى تحقيقِها، فهدفهُ قتلُ الأحلَام، معَ أصحابِها، قبلَ أن تنمُو، وتتحقَّق، وهوَ ما يجعلُ من كلِّ فلسطِيني، رجلاً كَان أم امرأَة، طفلاً أم شابًّا أم شيخاً؛ مشروعاً للقَتل والاستشهَاد.

قرأَ الشَّاعر محمُود دروِيش المشهَد الفلسطِيني بكلِّ دقَّة، فالفلسطِينيون أحلامٌ مؤجَّلة؛ يسعَون إلى تحقيقِها، والعدُو يمنعُ الأحلامَ من التحقُّق، بل يحاربُها، ويحاربُ أصحابَها، ويسَعى إلى التخلُّص منها؛ لأنَّها تتعارضُ معَه، لهذا لا غرابةَ أن يستخدِم ضدَّها أفتكَ أنواعِ الأسلحَة، بما فيها المحرَّمة، والممنُوعة؛ من أجلِ أن يقضيَ عليها نهائيًّا، ويمنعَ ظهُور أُخرى جدِيدة.