صناعة الأفكار.. بين صفاء السريرة، واعتلال البصيرة.. حدثٌ وحديثٌ ”61“
أَرَى بحَصَافةِ فِكرٍ وَديعٍ مُتواضعٍ؛ وأُبصِرُ بلِياقةِ حُنكةِ، سِكّةٍ مُعبّدةٍ نَافذةٍ، نِتاجَ غربلةِ ”أفكَارٍ وخَواطِرَ“ مُتيقّظةٍ وَاعيةٍ؛ وأرقَبُ بشفافيةٍ ناظِرةٍ في فسِيحِ جَانِبها الأغَرّ الأعطَر، فِكرًا مُتأمّلًا وَاثِقًا، يؤطّرهُ استلطافًا، نصلُ رِتاجِ مَحجّةٍ وضّاءةٍ، سَاعيةٍ إلى مَقاصدَ اقتناصِ، وَمشاهدَ اصطيادِ مّناظرَ احتضان أندَى زخَم خَواطرٍ صَاغيةٍ، مِن قَائم هَرمٍ شَاخصٍ، مِن أكوامِ أفكارٍ زَاهيةٍ؛ لأستَلّ، مِن حَاضِر سُطُوعِ ألقِ بَريقِها الجاذِب - برفقٍ وأناةٍ - ذَخيرةً، مِن أجودِ وِردِ وُقُودِها المُهدَى أريحيةً، مِن طبيعةِ نقاءِ بلسمِ رَيع النفسِ الوَديعةِ المُطمئنّةِ؛ لأرمِّم مُجتهِدًا؛ وأُبعِدَ مْتنزِّهًا مَا سَقطَ مِن فَرطِ هشِيمٍ ناشِزٍ، مِن وَخيمِ أفكارٍ مُشوّشةٍ؛ وأُقاطِعُ بزمْجرةٍ مُضطربةٍ، لَغطًا جَامِحًا، مِن خواطرَ مَهيضةِ الجَناح؛ وأفكارٍ مُجهضةِ المَتاع، لِزامًا؛ وأُصَارِعُ بصَرامةٍ وضَراوةٍ، كَمًا وَافرًا مِن أسفاطٍ حُبلى، مِن ردِيء زَخِم الإغراءاتِ المُتماديةِ؛ ومِثلها رَتِلًا مِن نَتِن صَنيعِ الوساوِس المُتناميةِ المُتظاهرةِ اعتباطًا، في ناصيةِ فِكري اليقظ؛ لأقترِب رُويدًا؛ وأرتقِي مَهلًا، إلى رَجاحَةِ مِنبر الحَجى الواعِي؛ وأستنِدُ مُتّكِئًا مُسترخِيًا عِند مَدخل بوابةِ مُنتدَى رَحابةِ العقل الفطِن المُستنِير...!
ولَعلّك - عَزيزِي القارئ - تُلاحَظُ استِشفافًا، مِن رُقعةِ نَسيجِ دِيباجةِ المُقدّمةِ المُتواضعةِ أنّ لفظتا ”الأَفكار والخَواطر“ التِّرب هُما ”شَخصَا“ تَوأمَين مُتماثِلين مُتلازِمين، يُكمّلُ ويُسانِدُ أحدُهما الآخر؛ لِاحتوائهما على مَا يُساوِر بُؤرة النفس المُتلوّنة المُتقلّبة؛ وإحاطتهما بمَا يُسامِر داخِلةُ قَوام الفِكر المُشتَّت؛ واشتمالهما على مَا يُساير سَريرةُ الضّمير اليقِظ، مِن تصديرِ رِزمٍ مِن أنماطِ هَواجسَ مُختلطةٍ؛ وتورِيدِ وَساوِسَ مُتباينةٍ، تُسرّعُ في نصّ صِياغتِها الأدبيةِ تِباعًا، بإستصدارِ صُرّةٍ مِن أوامرَ عُليا ناضجِةٍ؛ وتعجّلّ مَرّةً، تِلو الأُخرى، بتجنّبِ مَحاذيرَ خّاذِلةٍ مَعِيبةٍ؛ لإصلَاحِ وتهذِيبِ إعوجَاجِ السلوك؛ وتقوِيم مُردِياتِ الهَوى؛ وتوطِيدِ - بسماحةِ اعتدالٍ، وأصالةِ استقامةٍ، وحُسنِ طَويّةٍ - صَحِيفةَ سَويّةِ أعمالِ المنهجِ السلوكي، تحت مِظلّةِ حَصانةِ مَنهجيةِ آفاق الفِكر القوِيم…!
ولَعلّ فلاحَ الأمرِ الصالحِ، وتعاسةِ المَسعى المُتأرجحِ الطالحِ - مِن بابِ المُفارقةِ المُحيّرة - أن يَتنافَر سَيلُ زَخمٌ مِن أَشدّ وأَعتَى صَبّ ”الانفعالات“ الوقتيةِ الضاغطةِ؛ وينتفضُ لها تفاخُرًا نَقليًا، بعَطاءٍ وافرٍ مُجزٍ، في صعيدَ الضفّةِ المُقابلةِ، مِن مَلَكةِ سَكّ ناضجِ ”الأفكار“ العقلانيةِ الحاذِقةِ، سَاعةً حَاسِمةً، في آنٍ وَاحدٍ؛ وتحت ظِلّ سَقفٍ ظَليلٍ واحدٍ؛ لتتَمحوَر وتتقَرّر إرادةُ حَرَاك الانتقاء الأمثل، في مَعركةِ انتصار الاختيارِ الصّعبِ الحاسَم، بين جَذبِ ”بريقِ“ الانفعالات المُضلِّلة، إلى شَفا مُنزلق الهاويةِ الكاذِبةِ؛ ونقيضِها: اعتدال دربِ ”مِنحةِ“ الأفكارِ الهاديةِ، إلى سَواءِ السبيل… فالإنسانُ الجَاهلُ الأَحمقُ، هو مَن تَصنعهُ وتَصرع لُبِّه لحظةً، غلبةُ فورةِ انفعالاتهِ؛ وتُشكّلُ - تعاسةَ وشقاءَ - سِيرة حَياته، تباعًا؛ أمّا مقامُ الحكِيمِ الحلِيمِ، فهو الذي ينتصرُ ظافرًا، بأعجوبةٍ مَغبوطَةٍ مَشهودَةٍ على فَورةِ وثَورةِ الانفعالاتِ الوقتيةِ العابرة، بنَقاوةِ سَريرةٍ، وسَلاسةِ دَخيلةٍ، ولَطافةِ طِلاوةِ بَناتِ أفكارِه النيّرةِ النُورانيةِ… إذنْ فَجوهرُ الفكرةِ الآنيةِ الراهنةِ، هي مَا يُسيّسُ ذائقةُ الفِكر، ويَقودُ مِنهاجَ الضّمير؛ لامْتلاكِه مّفاتيحَ ومَغاليقَ السعادةِ الحيويةِ، في وقتٍ فَاصلٍ واحدٍ؛ وهي على مُفترق طَريقين مُتشعّبين: بين ألق السعادةِ الدّنيويةِ المؤديةِ إلى أحسنَ مِنها، في الدارِ الآخرةِ.. وإمّا تجرُّع واجترار سِلسلةٍ مِن غَصّةِ التعاسةِ، وكُربةٍ مَن غَمّ البُؤسِ، في غَمرةِ الدنيا الفانيةِ، حيثُ يُمنَى - الخاسِر فيها - خِزيًا مَوعُودًا، بسلسلةٍ مُماثلةٍ صَدِئةٍ قاسِيةٍ، في مُستقرّ فِردوسِ الدار الآخرةِ… فالإنسانُ البَصير النِّحرير، هُو سيّدُ المَوقفِ الحاسِم الراسِم، بين هِدايةِ المَنهجِ المُشرقِ، أو غِوايةِ دُجْنةِ المَسعَى المُظلمِ…!
وممّا تقدّم ذِكرُه، مِن أنّ مُسلسلَ الانفعالاتِ المُتهوّرةِ الهَوجاء، لَا تصنعُ إلّا تعاسةَ المَخرِجِ؛ ولَا تَجرِي إلّا خلفَ شقاءِ المَسعى؛ ولَا تلدَ إلّا بَذاءةً ودَناءةً؛ ولَا تجلِب إلّا شُؤمًا مُستفحِلًا، مِن أرذلِ خَواتم العَواقبِ المّريرة؛ ولَا يؤول نزولُ صَاعقتِها المُهلِكةِ إلّا إلى نازِلةِ خَرابٍ، ورَزِيئةِ يَبابٍ، وبَلِيةِ خُسرانٍ… وعلى العكسِ مِن جَرّ ذُيولِ الكمَدِ والنكَدِ، في دَوامةِ مَغبّةِ تخيّرِ الجَري الكَلِيل اللّاهِث، ورَاء وَهْمِ صِياغةِ، وصِناعةِ، افتعال، زّوبعاتِ الانفعالاتِ الطائشةِ الصاخبةِ… وهُناك، في نِهايةِ المَطافِ، تقبعِ - فرقعاتُ الانفعالات - بثُقلِ حَراكِها، مُسرخِيةً، في رُبوعِ صَعداتِ الأمن، وتتسمّر في أَدَمِ الأمان؛ وتُبادِرُ هُبوبُ رياحِ الأفكار السعيدةِ في غَمر دَوحةِ المكانِ؛ وتُشاطِرُها بتعطيرِ سُمعةِ الزمانِ، ”صُفوفُ“ أطيب نسائمِ السعادةِ: بصفاءِ النفسِ، ونَقاءِ السريرةِ، وطِيبِ العِشرَة، وتَنفّسِ طيّاتٍ حَالمةٍ طَويلةٍ عَطرةٍ مِن ذائقةِ الرّحَماتِ الربّانيةِ المَديدَةِ؛ واستنشاقِ أمثالِها الحِسان، مِن أطايِب نعَمَاتِ رَغدِ العيشِ الرائدةِ، ونفحاتٍ وَاعدةٍ زاهدةٍ مِن دَفقاتِ حُسن الحالِ السائدة... «وَأَمَّا بِنِعَمةِ رَبِّكَ فَحَدِّث».
ولَعلّ ظاهرةَ صَبّ جَامّ ”الغضبِ“ المَشمولةِ برغبةِ الانتقامِ المُنفلتةِ، واحدةٌ مِن أرذلِ مُخرجاتِ، وأقبحِ مُفرزاتِ الانفعالاتِ المُنشقّةِ المَذمومةِ، في آسِن رَذاذِ رَديءِ أنفاسِها النّتنةِ... وكَم هِي المَواقفُ الطائشةُ ”الناريةُ“ التي تَستحثّ بجهالةٍ، انفلاتَ زِنادِ مَوجةِ غضبِنا النمطِيةِ، في حَياتَنا اليوميةِ؛ وتستنهضُ تسديدَ أقوَى أنصالِ سِهامِنا الفوريةِ الحادّةِ تِباعًا، مُصوّبةً نحو ذلك الحدثِ المُتكرّرِ القاهرِ، دُون رَويةٍ، أو تَفكّرٍ، أو تَحليلٍ لهُنيهةٍ مُستطابةٍ، في سَاحةِ حُلْكةِ ضَبابيةِ ذلكَ المَشهدِ الطارئ! وعِند تأزّمِ واحتِدامِ ضائقةِ المَوقفُِ المُتفاقمِ؛ واشتدادِ أقسَى حَلقاتهِ الضاغِطةِ لِزامًا، لَابُدّ لَنا - عَزيزي القارئ - أنْ نبحثَ سَويًا، بتؤدةٍ وأناةٍ عن غِطاءِ مِظلةٍ ثابتةِ القدَم، واقيةِ العقلِ والبدَن، نستظل بظلّها؛ كَي نَجد مَخرمَ مَخرجٍ، أو نَفضِي إلى سَالكِ مَنفذٍ؛ لنضعَ حَدًا فَاصِلًا؛ ونرسَم سَدًا مَانِعًا؛ لنيلِ النّجاةِ المُنتصرةِ؛ بَدلًا مِن الوُقوعِ المُهلكِ، في مَغبّةِ فورةِ الغضبِ المَحمومةِ المَذمومةِ… وتخطُرني لفتةُ إشراقةِ مَهارتين مُبرمجتَين، بإطلالةٍ نُورانيةٍ عَقلانيةٍ سَمحةٍ: أوْلاهُما، المهارةُ النفسيةُ، ومِحورها رغبة الانتصار للمبدأ الإنساني القويم، والارتقاء بعِزةِ وشَهامةٍ، ومَقامِ رَصانةِ النفسِ البشريةِ المُكرّمةِ؛ وذلك بإتقانِ فنّ وبرمجةِ مهارةِ إدارةِ ضَبطِ الغضبِ؛ والتطلّعِ الواعدِ إلى إجادةِ تحليلٍ مَنطقيٍّ مُنصفٍٍّ مُشرّفٍ لوَمضةِ الحَدثِ المُغضِبِ الهائج ِمِن حَولك؛ بتجرّدٍ مُطلقٍ، بدلًا مِن تَصويبِ فُوّهةِ الزّنادِ الخاذلِ المؤسفِ، صَوب هَالةَ ذلك الحَدث المُثير نفسه، بأهمالِ توقّعِ حَجمِِ النّتائجِ والعَواقبِِ المُترتّبةِ بعد تصويبِ وَابلِ السّهامِ المارقةِ... وثاني مَهارةِ الانتصارِ الظافرِ على مَوجةِ الغضبِ الغامرةِ الساحقة، في أنيقِ كَبسولتِها الروحانيةِ المُهابةِ… وهي الاقتداء الواثق، والتأسّي الصادق بمَناقبَ، ومَواقفَ، وسِير مَعشرِ أنبياءِ اللهِ المُرسلين، عليهم وعلى خاتمِهم، نبينا الصادق الأمين، وآله الطيبِين الطاهِرين، وصَحبه الكرامِ الميامِين، أفضل السلام، وأتمّ التسليم؛ في أصعبِ وأرعبِ، وأصخبِ مَوجاتِ مُثيراتِ الغضبِ الإنسانيِّ المُنفلتِ المُوجّه جَهالةً، والمُنبعِثِ الهِياج ضَلالةً؛ لتَقويضِ أًسس أُصولِ سَعادةِ؛ وتدمِيرِ منابعَ نَعيمِ النفسِ البشريةِ، قَاطبةً، والله خَيرُ حَافظٍ وشَهيدٍ!