آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

لحظة وعي..

هيفاء صفوق *

هكذا كنت ابن العاشرة اعتدت أن أركض بين البيوت قد صفت متلاصقة مع بعضها وكأنها جسد واحد.

كنا صغار نلهو ونلعب ورائحة الأطعمة تزخر في المكان، الكل هنا سعيد ومرتاح البال عدا صوت بعض الصبية عندما يتنازعون ويختلفون على كرة القدم وصراخ الأمهات عليهم أن يتوقفوا.

هنا في شارعنا الضيق كانت الحياة حياة، ندرك خطوات بعضنا وخطوات الزوار خاصة إذا كان الزائر عزيزاً علينا كالمطر عندما كان يسقط نراكض نحن الصبية بفرح. كان الفرح هو قصتنا وقصة الجيران والأخوة الذين اعتادوا الأكل من صحن واحد، كم كانت البيوت متشابهة بالحب، وإذا تعب أحد منها تعبت كل البيوت المتجاورة.

ماذا حدث اليوم؟ ما الذي تغير في وسط عجلة الحياة السريعة!

تذكرت حينما كنت أسير مع جدي للمسجد وصوت عصافير الفجر التي تحيي القلوب المنيرة التي تدرك معنى الخطوة ومعنى الروح.

كم كنا نسير على ذلك الشارع الذي صف بلاطه واحدة خلف الأخرى وما زال إلى اليوم علامة مختلفة عن شوارع الإسمنت.

تعلمت منذ عمري الصغير معنى زرقة السماء، ومعنى تدرج ألوانها إلى اللون الغامق، وكيف تبدأ المصابيح في الاشتعال كانت كطوق العقد المنثور بين أسطح المنازل وخاصة وقت الأعراس التي تميز كل حي عن الآخر.

كم فقدنا اليوم هذه الاحتفالات الجميلة البسيطة في شكلها لكنها مليئة بالبركة والحب، ربما نسأل اليوم ماذا تعني كلمة البركة ماذا تعني كلمة محبة في وسط عالم كثر ضجيجه وعباراته وحبه للمنافسة.

اليوم يوم جمعة أعود لطفولتي الجميلة، وسط حينا القديم لكنه في قلبي يتجدد يتجذر ويجعلني متمسكاً أكثر بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، يجعلني قريبا جدا من تلك النورانية العميقة، وليست فقط الألفاظ والكلمات، بل التأمل في ملكوت الله في الحجر والشجر والطير والذكريات والسماء والأرض وأدرك تماما في هذه اللحظة أن لا شيء هنا عابر وصدفة...

كتب المقال تعبيرا معبرة عن إيحاءات صورة من تاروت
كاتبة وقاصة واخصائية اجتماعية