هلو هبيبي
لكلّ شيء بداية، إلّا أنه ليس كلّ بداية لها نهاية، وهذا ما حدث لـ ”فهد“ الذي تأقلم مع الوضع منذ سنين إلا أنه ما زال يترقب النهاية. ودائمًا ما يلعن اللحظة التي استسلم فيها لغريزته الحيوانية.
رمى ”فهد“ بنفسه على الكرسي وراح يتأمل البحر؛ لعلّ ذلك يخفّف من الألم الذي يكتوي بناره. ولم يكن الوقوع في الحبّ هو المشكلة التي جاء من أجلها، وإنّما جاء لأجل أن يتصالح مع نفسه لمشكلة حدثت وما زال أثرها يطارده قبل سنوات.
ففي إحدى الليالي لبّى ”فهد“ دعوة اثنين من أصدقائه في رحلة قصيرة. فحزم حقيبته وحمل جواز سفره وجلس في المقعد الخلفي للسيارة، التي تحولت لمرقص متنقل. فمنذ أن تحركت تلك السيارة حتى وصلت لمحطة الوصو، لم يتوقّف أو ينخفض صوت الأغاني. فالجميع كان يرقص ويصفّق. وأدخنة السجائر تملأ تلك السيارة وتحجب الرؤية من شدّة كثافتها. فالسجائر كانت تشعل واحدة تلو الأخرى.
وما هي إلّا ساعة ونصف حتى وصلوا لمحطتهم. أوقفوا السيارة في مواقف الفندق وتوجهوا نحو المرقص. دخل الأصدقاء الثلاثة في زوبعة النشوة قبل أن يحتسوا الكحول. وما إن اقتحموا المرقص حتى راح ”فهد“ يرفع قبّعته ويتمايل بجسده ويتّجه نحو الراقصة. فأرسلت له الأخيرة قُبلة في الهواء ونال ذلك استحسان أصدقائه. وراحوا يحيّونه ويصفّقون بجنون لأجله ليعلوَ صوت أحدهم قائلًا: أيوه! من قدّك يبو ”فهيد“... والآخر يقول: الله لنا!
وما إن أحضر النادل زجاجات الكحول الذهبية، حتى جلس ”فهد“ على طاولته التي تقع على مقربة من الراقصات. حينها لم يكن ينوي تناول الكحول، وإنما سيكتفي بمشاهدة الأجساد شبه العارية فقط، إلّا أنّ صوت الموسيقى الصاخبة والإضاءة المجنونة والراقصات دفعته لأن يكمل المشهد. فانضم مع أصدقائه وراح الثلاثة يتنافسون لاحتساء أكبر عدد من زجاجات الكحول. وما انتهت السهرة حتى راحوا نحو غرفهم، وبينما هم في الممر، شاهد ”فهد“ فتاة آسيوية تخرج من إحدى الغرف ترتدي ملابس سهرة ورائحة العطر تفوح منها. وشعرها الأسود يغطّي أكتافها العارية. لقد كانت أشبه بدمية جميلة تسرّ نزلاء الفندق، لا سيّما السكارى منهم.
لم يتمالك ”فهد“ مشهد تلك القطّة الشبه بريئة التي كانت تمشي بجانبه. فامتدّت يده إليها، فإذا بها تقول: هلو هبيبي... تلك هي الكلمات التي افتتحت بها المشهد الثاني من السهرة. فأخذت تمسح على وجهه ليذوب مباشرة كما لو كان مكعبًا من الثلج. وما كان من أصحاب الدعوة إلّا أن يصفّقوا له ويربّتوا على كتفه.
أمسكها من يدها الصغيرة وسحبها نحو غرفته. لقد كانت سهرته الأخيرة شوطًا إضافيًّا قصيرًا جدًّا. فالعملية لم تستغرق غير عشر دقائق كانت كافية لأن يريق ماءه في مستنقع قذر مليءٍ بقذارات من مختلف البلدان والثقافات.
وما كان من تلك القذارة إلّا أن تضمّ اسم ”فهد“ إلى قائمة مرضى نقص المناعة المكتسب. فتلك الليلة اجتمع ”فهد“ بغريزته الحيوانية مع أصدقاء السوء في مكان فاسد ومع فتاة الهوى. ليلة غيّرت مجرى حياته للأبد.
وكلّما حاول ”فهد“ أن يُصغيَ إلى صوت الموج على شاطئ البحر، كان هناك صوت يخترق مسامعه، كما الصاعقة يقول له: ”هلو هبيبي“.