الآيات المنسية... قراءة في فكر الإمام الشيرازي
المؤلف: حسين عبد الله آل دهنيم
الصفحات: 208 صفحة
المقاس: وسط
سنة الطبعة: 1445 هـ - 2024 م
يتناول الكاتب آل دهنيم والذي عرف بانشغاله بالكتابات والدراسات القرآنية، حيث صدر له ثلاثة عشر كتابًا، كلها تتناول موضوعات قرآنية ومن بينها: كتاب علوم القرآن - تأملات في آيات الدعاء في القرآن - المحكم والمتشابه في القرآن الكريم - وقفات قرآنية...، ومن بينها هذا الكتاب الذي يتناول فيه الكاتب موضوع ست آيات قرآنية شغلت مساحة واسعة من كتب ومحاضرات وتوجيهات سماحة الإمام السيد محمد الشيرازي «رض»، وتحوي هذه الآيات بعض أهم أفكاره وتطلعاته التي طالما دعا إليها وشجَّع عليها، كما يقول الكاتب آل دهنيم: ”وخطتي في هذا الكتاب عرض هذه الآيات المنسية وعددها ست آيات عرضت فيها أفكار السيد وتطلعاته من هذه الآيات، قدمت لها بمدخل بعنوان الإمام الشيرازي رائد الإصلاح، ومقدمة عن نشأة الإمام الشيرازي القرآنية وتعلقه بالقرآن الكريم“.
فبعد المدخل الذي تحدّث فيه المؤلف عن الإمام الشيرازي واهتمامه بالقرآن الكريم منذ النشأة المبكرة، كما تحدّث عن دوره الإصلاحي الذي نهض به لبث الوعي وإيصال المعارف الإسلامية إلى أبناء المجتمع كافة.
أشار الكاتب آل دهنيم إلى اهتمام سماحته والذي انعكس على الكثير من مؤلفاته القرآنية التي ألّفها ومنها: تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان - تفسير تبيين القرآن - الفقه حول القرآن الحكيم - متى جمع القرآن - لماذا يحاربون القرآن - القرآن يتحدّى - عاشوراء والقرآن المهجور - القرآن منهج وسلوك - مكانة القرآن في المجتمع الإسلامي.
كما انعكس هذا الاهتمام من خلال دعوته المستمرة والدائمة والتي نلمسها من خلال كتاباته ومحاضراته وتوجيهاته الداعية إلى إنشاء المؤسسات واللجان التي تهتم بالشأن القرآني ك ”تأسيس دار القرآن الحكيم - وإصدار مجلة القرآن يهدي - تأسيس مطبعة القرآن الحكيم - تأسيس مدارس لحفاظ وحافظات القرآن الكريم“.
بعد هذا المدخل شرع الكاتب آل دهنيم في الحديث عن موضوع الكتاب وهو مجموعة الآيات وصفها بالآيات المنسية، وهي مجموعة من الآيات التي طالها الأعراض والتهميش، وخاصة في هذا العصر، وذلك لأن المسلمين وإن تظاهر الكثير منهم بالاهتمام بالقرآن الكريم شكلاً، إلا أنهم لا يطبقون المضامين التي تحملها هذه الآيات في جوانب حياتهم العملية، وهو ما يمكن الاصطلاح عليه بالهجران.
لذلك نجد السيد الشيرازي في الكثير من كتبه ما فتئ يدعو إلى العمل والالتزام بها، وهذه الآيات هي:
1. آية الأخوة الإسلامية، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ .
2. آية الأمة الواحدة، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَ?ذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ .
3. آية الحرية، كما في قوله تعالى: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ .
4. آية الشورى، كما في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى? بَيْنَهُمْ﴾ .
5. آية السعي، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى *وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾ .
6. آية إعمار الأرض وتملك المباحات، كما في قوله تعالى: ﴿فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ .
هذا وقد أفرد الكاتب - في كتابه - لكل آية منها مجالًا خاصاً للحديث عنها، وقد جاءت كالتالي:
وفيما يخص آية الأخوة الإسلامية تحدّث الكاتب أولاً عن مفهومها حيث أوضح بأن السيد الشيرازي يرى بأن الأخوة الإسلامية تعني بأن لا يتميز أحد على آخر في جنسية أو لون أو لغة أو غير ذلك من الفوارق، كما تحدّث عن ثمارها، وسبل تحقيقها، وفرّق كذلك بينها وبين مفهوم الوحدة الإسلامية.
أما فيما يخص موضوع الوحدة الإسلامية فقد أوضح الكاتب آل دهنيم بأن السيد الشيرازي تنبأ في كتابه «فقه المستقبل» بأن الأمم والشعوب ماضية نحو التكتل والوحدة، والأمة الإسلامية ليست بمعزل عن هذا الطريق، ولكن لا بد من الأخذ بأسباب الوحدة.
كما تحدّث عن مقومات الوحدة ومن بينها «إزالة الحدود الجغرافية بين بلاد المسلمين - التوعية بأهمية الوحدة - الإعلام - المال - التنظيم - نبذ الخلاف واحترام الرأي الآخر».
وكالمعتاد أشار الكاتب في البداية إلى معنى الحرية، كما أوضح المراد بالحرية الصحيحة وضوابطها، حيث يرى السيد الشيرازي بأن الحرية الصحيحة في الأمة بحاجة إلى إطارات وضوابط، وإلا انقلبت الحرية إلى فوضى، ومن هذه الضوابط: «وضع القانون الكفيل بحدود الحرية - تطبيق القانون على الخارج»
من جانب آخر أشار الكاتب إلى أوعية الحرية والتي من بينها الإعلام والمكتبات، كما أشار إلى علامات الحرية وأدلتها القائمة على النصين القرآني والروائي.
وأوضح الكاتب بأن السيد الشيرازي يرى بأن للحرية شروطاً ومن شروطها: شورى المراجع وتعدد الأحزاب في الحياة السياسية للمجتمع الإسلامي.
ونوّه الكاتب آل دهنيم إلى الحريات في الإسلام كما تحدّث عنها السيد الشيرازي والتي لخصها في: «الحرية الدينية - حرية عمل - الحرية السياسية - حرية التجارة».
واختتم كلامه عن الحرية بالإشارة إلى مستقبل الحريات في العالم الإسلامي وانطباعات السيد الشيرازي عن الحرية - كما رآها -، حيث ”يرى السيد أن كافة الحريات الإسلامية - والتي سبق الإشارة إليها - ستعود كاملة غير منقوصة في المستقبل المنظور بإذن الله تعالى، ذلك لأن الطبيعة الإنسانية تواقة إلى الحرية راغبة في تحطيم القيود وإزالة مظاهر الكبت، وهذا أمر فطري وعقلي وعقلاني“.
بعد تعريف الشورى تحدّث الكاتب آل دهنيم عن الأدلة التي استند عليها السيد الشيرازي للاستدلال على قانون الشورى والتي جاءت من القرآن الكريم والسنة المطهرة، حيث أشار إلى آيتين قرآنيتين وهما: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى? بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ . كما أشار إلى أن السيد الشيرازي استدل بمئات الروايات على هذا المطلب، هذا بالإضافة إلى الاستدلال بالعقل بأمرين وهما: دفع الضرر المحتمل وبرهان الدوران والترديد.
كما لم يغفل الكاتب الحديث عن إحدى أهم نظريات السيد الشيرازي ألا وهي نظرية شورى الفقهاء حيث قدّم لها تعريفًا في البدء ثم أجاب على بعض التساؤلات المثارة حولها.
من جانب آخر تحدّث الكاتب عن خصائص الشورى من المنظور الإسلامي، كما أشار إلى ثمار الشورى وأثرها على حياة الناس إذا ما طبقت، وأهمية ذلك في عصرنا الحاضر على نحو خاص.
ذكر الكاتب آل دهنيم بأن الله سبحانه وتعالى سخَّر ما في هذا الكون من ثروات ونعمٍ لهذا الإنسان ليعيش حياة كريمة منتفعا من كل ذلك. حيث استند السيد الشيرازي على آيات منها هذه الآية: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً﴾ ، فقد استنبط سماحته منها بعض القوانين المهمة ومنها: «قانون حيازة المباحات - قانون السبق - قانون الأرض لله ولمن عمّرها».
أشار الكاتب آل دهنيم إلى أن الإسلام رغّب وحثَّ على السعي للحصول على الرزق وكافة متطلبات الحياة، ليس فقط في الحياة الدنيوية، بل تعدّى ذلك إلى الحياة الأخروية أيضاً، لذلك فالإنسان المسلم مدعوٌّ إلى الانصراف إلى الأعمال الحرة، وعدم الاكتفاء بالوظائف ذات الدخل المحدود؛ وذلك لأن التجارة من أفضل أسباب الرزق، وفوائد هذا لا ينعكس على حياة الفرد فقط، وإنما ينعكس كذلك على رفع مستوى مجمل الحياة الاقتصادية العامة للمجتمع والدولة.
واختتم الكاتب آل دهنيم في خاتمة كتابه بالإشارة إلى أن تلك الأفكار والرؤى التي طرحت في هذا الكتاب إنما هي أفكار سماحة السيد الشيرازي التي طالما تحدّث عنها في كتبه وكراساته ومحاضراته وكلماته، وهذا كله عكس مدى اهتمام سماحته وانشغاله بهذه الأفكار طيلة عمره المبارك.