آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:07 ص

عفاف 3

رضي منصور العسيف *

مضى أسبوع على فصل عفاف من وظيفتها...

لا تزال تتذكر تلك الإنجازات...

فتحت جهاز الحاسب تتصفح فيه بعض صور الإنجازات خلال الثلاث سنوات...

في هذه اللحظة رن هاتفها... رسالة واتساب...

المرسل هي صديقتها حوراء...

ابتسمت وقالت: شكراً لك يا حوراء... يا لك من صديقة رائعة... إنه من الجميل جداً أن يكون لديك صديق حقيقي تذهب إليه متكدرا وترجع صافياً، تذهب إليه ضعيفاً فترجع قوياً، تذهب إليه حزيناً فترجع مسروراً.

حقاً الصداقة هي مشاركة الهموم وانسجام الأرواح، وتقارب الطموحات وصدق المشاعر.

الصديق الحقيقي كالظل في شدة الحر، لا يتركك أبداً، مهما اشتدت الظروف...

فتحت الرسالة وجدتها إعلان توظيف...

قرأت الرسالة: تدريب ينتهي بالتوظيف مع مكافأة 3 ألاف ريال شهرياً

ماذا يضر حتى لو كان التخصص مختلف، سيكون هناك تدريب وسأكون متوفقة كالعادة...

سوف أسجل، لقد سئمت الجلوس في المنزل... بدأ الملل يتسلل لحياتي...

فتحت عفاف الرابط، وبدأت بإدخال بياناتها: الاسم، المؤهل، البريد الالكتروني، رقم السجل المدني، الجوال... الخبرات، وغيرها...

ضغطت «إرسال»...

وما هي إلا لحظات حتى وصلتها رسالة على جوالها: يرجى إكمال بقية البيانات المتعلقة بالمكافأة... من خلال الرابط...

فتحت الرابط...

أكملت البيانات: اسم البنك... رقم الحساب...

وصلتها رسالة: يرجى ارسال الكود المرسل إليك لتأكيد موعد المقابلة..

وما كان من عفاف الا ان أعادت إرسال الكود...

وصلتها رسالة أخرى شكراً لك لقد تمت العملية بنجاح، مبروك

غمرتها السعادة ولكن...

لحظات... وصلتها رسالة من البنك تم سحب مبلغ..

أخذتها الدهشة... لقد اخترق الحساب البنكي...

صرخت عفاف: تباً لكم...

كيف لم استوعب عملية النصب والاحتيال... كان كل شيء واضح أمامي إنها عملية احتيال... كيف لم استوعب عملية النصب، أين عقلي...

سارعت بالاتصال بالبنك وطلبت منه تجميد الحساب لأنها تعرضت لعملية احتيال مالي...

ودخلت على منصة أبشر وغيرت الأرقام السرية...

تفحصت جوالها... هل هو يعمل أو أنه تعطل؟!

اتصلت بحوراء...

ماذا فعلت بي يا حوراء، ما هذه الرسالة السوداء التي أرسلتها لي، لقد كانت رسالة نصب واحتيال... لقد سرقوني... وأقفلت المكالمة...

نظرت حوراء لفوزية... خاطبتها: يا لك من حقودة، ظالمة، ماذا فعلت بنا، ألهذه الدرجة تكرهين عفاف... لماذا..

أجابتها فوزية: لا علم لي بما تقولين... لا أعرف عن محتوى هذه الرسالة أي شيء، صدقيني، هي رسالة وصلتني، أحببت أن أساعد عفاف، لم أكن أعرف أنها رسالة احتيال، صدقيني...

خاطبتها حوراء: أنت ظالمة، ظالمة...

لم تستطع حوراء البقاء في المكتب، استأذنت وخرجت مسرعة لبيت عفاف...

كانت تفكر في المصيبة التي تسببت بها لأعز صديقة، وبدأت تفكر في سداد المبلغ المسروق...

وصلت للبيت، تهيأت للعتاب...

طرقت الباب... فتحت عفاف...

نظرت إليها... لا تجد أثر للدموع...

سالتها: هل كنت تمزحين معي، ألم تقولي أنهم سرقوا حسابك البنكي؟!

أجابتها عفاف نعم، ولكني على علم أنك ستردين المبلغ عاجلا أم آجلا...

ضحكت عفاف...

قالت حوراء: كم المبلغ؟!

اجابتها عفاف: قبل أن أقول لك كم المبلغ، أود أن أسألك: هل أرسلتها لأحد غيري؟!

أجابتها حوراء: لا لم أرسلها إلا لك... تبا لها فوزية هي التي أرسلت لي الرسالة، كم هي حقودة..

قالت عفاف: الحمد لله أنك لم ترسلها لأحد، وهذا خفف وقع المشكلة علينا... أما فوزية فنحن لا نعلم ربما تكون صادقة وكانت تريد مساعدتي...

قالت حوراء: هذه المرأة لا تعرف إلا الحسد والحقد... تباً لها... الآن أخبريني كم هو المبلغ حتى أرتب جدولي المالي وأقسطه على دفعات....

قالت عفاف: عليك أن تدفعيه مرة واحدة... والآن أيضاً...

ضحكت عفاف وقالت: لحظة سوف أذهب أبدل ملابسي لكي نذهب للبنك...

جلست حوراء تفكر في هذه الأزمة...

جاءت عفاف مبتسمة وقالت: هيا لنذهب...

قبل أن نذهب للبنك سنذهب لمطعمنا المفضل لتناول وجبة الغذاء على حسابك أيضاً...

في المطعم وقبل أن يطلبن الغذاء... ضحكت عفاف وقالت: ابتسمي أيتها الصديقة... أنا أعرفك جيداً... نيتك كانت حسنة... ابتسمي فنحن أمام وجبة غذاء... هل تودين معرفة المبلغ المسروق مني...

قالت حوراء بصوت حزين: كم هو؟

ضحكت عفاف وقالت: 100 ريال

لم تتمالك عفاف نفسها ضلت تضحك وتضحك...

وما كان من حوراء إلا أن رشقتها بكوب الماء، وقالت: 100 ريال... وهكذا عملتي بي...

أجابتها عفاف ضاحكة: الآن عليك أن تنظفي ملابسي أيضاً... ثم أردفت قائلة: نعم يا عزيزتي: لقد حفظني الله أنني لم أسجل الحساب الأصلي، عندي حساب فرعي أضع فيه مبلغ بسيط للمصروف اليومي، وهذا الحساب لم يتبقى منه سوى 100 ريال فقط...

الدرس الذي تعلمت من هذه الحادثة يا عزيزتي حوراء: علينا أن لا ننجرف وراء مثل هذه الإعلانات وهذه الروابط مهما كانت حاجتك المالية، عليك التثبت والتروي، والتدقيق، لا تفصح عن بياناتك المصرفية لأي أحد...

والآن يا حوراء عليك أن تطلبي لنا غذاء لذيذ... هيا ابتسمي، فالحياة تعلمنا الكثير من الدروس...

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف