آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

الإشاعة.. داء العصر

فاضل العماني * صحيفة الرياض

تُعدّ الإشاعات واحدة من أخطر المظاهر والسلوكيات السلبية التي تتسبب في إحداث الخلافات والأزمات في المجتمعات، وتنامي ”ظاهرة الإشاعة“ بدرجة سريعة وكثيفة، قد يؤثر سلباً على سلامة البنية المجتمعية والمزاج الكلي، وخاصة لدى الشرائح والفئات العمرية الصغيرة والمستويات الفكرية البسيطة.

إن الإشاعة، ليست مجرد صناعة للأكاذيب والتهم والافتراءات، وهي ليست مجرد تلفيق وبث وترويج للأخبار والأفكار والقصص والمواقف، بل هي كل ذلك وأكثر، ولكن خطرها الآن في تصاعد مستمر، خاصة في ظل الإمكانيات والقدرات الهائلة التي تتمتع بها وسائط ووسائل الاتصال والإعلام والتقنية، وتأتي في طليعتها وسائل التواصل الاجتماعي مثل إكس والفيس بوك والواتس آب وغيرها. فإشاعة واحدة على شكل تدوينة صغيرة، قد تتسبب في حدوث كارثة تجاه حدث ما، أو رسالة صغيرة عبر الواتس آب بلا مصدر موثوق، قد تكون سبباً لإشعال فتيل أزمة. فوسائل التواصل الاجتماعي، كبيئة حاضنة للإشاعات المغرضة في المجتمع، تُمارس الكثير من الأدوار والوظائف المشبوهة والخطيرة، خاصة لدى الشرائح والفئات الصغيرة والشابة التي لا تملك القدرة على الفرز والتحليل والتدقيق.

ولعل رصد الكثير من الأحداث والخبرات والتجارب حول ظاهرة الإشاعة، وما سببته من حالات الفوضى والانقسام التي حدثت للكثير من المجتمعات والشعوب والأمم، يؤكد بما لا يدعو للشك خطورة وتأثير الإشاعة على الصورة الذهنية والقناعة المكتسبة التي قد تتشكل وتُصاغ في الفكر والمزاج. صفحات التاريخ، تغص بالتجارب المريرة التي صنعتها الإشاعات وكيف تسببت في حدوث شروخ غائرة بين مختلف المستويات والتعبيرات في المجتمعات والأمم، وكيف وجهت الرأي العام حول قضية ما أو فكرة ما، وكيف استطاعت الإشاعات والتلفيقات أن تُحق باطلاً أو تُبطل حقاً، والأمثلة على ذلك كثيرة ومعلومة، ليس هنا مجال ذكرها أو كتابتها.

هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة التي تُمثل خرقاً غائراً في قلب أي مجتمع من المجتمعات، تحتاج إلى وقفة جادة من كل مقومات ومكونات الوطن ومن كل المؤسسات والكيانات العامة والخاصة، وبالخصوص وسائل الإعلام بكل منصاتها ومنابرها التقليدية والجديدة، فالإشاعات هي مرض العصر الحديث، بل كل العصور. نعم، الإشاعة بكل أشكالها ومستوياتها، تُشكل خطراً على أمن وسلم ورفاه المجتمع، ولكن الإشاعة الأكثر فتكاً وتدميراً لحالة الاندماج الوطني، هي الإشاعة العابرة لأسوار المجتمعات وحضن الأوطان والتي تتمدد وتتكثف بشكل خطير وكارثي. وفي الأجواء المشحونة والظروف الاستثنائية، تطل الإشاعة بوجهها القبيح، لتكون أشبه بخنجر في قلب وحدة الصف التي تفخر بها المجتمعات والشعوب والأمم.

الإشاعة بمختلف أشكالها وألوانها، مرض عضال وفتّاك، ولكنها قابلة للعلاج، وذلك بضخ جرعات زائدة من المناعة الوطنية في وريد المجتمع، لتفويت الفرصة على كل من يُريد اختراق المجتمع من خلال صنع الإشاعات والأكاذيب، سواء كانت بغباء أو بخبث.