آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 6:12 م

رسائل في بريد ”حادثة الطبعة“

أثير السادة *

عنوان الكتاب: بحر الميزان - رواية
الكاتب: الدكتور أحمد الشويخات
الناشر: مكتبة المتنبي - 2023

كالموج تتهادى الحكايات على ساحل السرد في رواية ”بحر الميزانين“، للدكتور أحمد الشويخات، الرواية التي تنهض على بقايا ذاكرة الطبعة، لتنتشل بعضا من حطام الأحداث، والوجوه، والذكريات، دون أن ترسو عندها بالتمام، فالراوي يسافر بنا إلى داخل البحر وخارجه، يصف لنا مفاتيح نصه المستعارة من سيرة ”الحظور الخمسة“، وأسئلتها المفتوحة على تقلبات البحر والواقع معا.

ينهض مشهد الرواية الأول على صور ومصطلحات ألفها أهل الخليج، صور البحارة في مواسم الغوص، وصور النواخذة، وأعراف المهنة التي كابد فيها الأجداد وهم يمضون شهورهم في لجة البحر بحثا عن اللؤلؤ في المحار، يرسم لنا خارطة للمغاصات التي عرفها أبناء الساحل في مطلع القرن الفائت، حاملا إيانا معه في مركب النوخذة الكبير الحاج يوسف بن راشد آل حامد، للاقتراب من أجواء العمل والتعب والارتباكات التي جلبها حضور إبنه الصغير داخل المركب، العقدة الصغيرة داخل الرواية والتي ستكبر ضمن متوالية الأحداث التي ستطوى بحادثة الطبعة.

ولأنه لا يريد للرواية أن تنتهي بهذه الذروة الدرامية المدفوعة بماء القدر، يمضي الشويخات إلى استكمال فصوله التالية عبر استدراكات بلال بن علي، المجدمي، وأحد الناجين من طوفان البحر، وهي تطل علينا من خلال مذكرات زهير بن سيار، الشخصية التي ستعيد تشكيل صلصال السرد داخل الرواية، وكأن الرواية تستدعي تقنية الرواية داخل الرواية، فزهير سيحمل سؤال ”الحظور الخمسة“ التي أطلت في الفصل الأول، ويبدأ باستكمال الفصول المقترحة للرواية مع صديقه وأستاذه الدكتور عدنان، لا يتأخر زهير في الإعلان عن نواياه، ونوايا الرواية، التي تطل في شكل تقريري حين يحدثنا عن رغبته في الاحتفاء بالمكان وذاكرته، والتنكب من انحسار البحر وسيرته.

من صك الحظور الخمسة، والمعروفة بالحدبة، تتناسل الحكايات، وتكبر صور الغياب التي يواجهها زهير بسيرته المسكونة بالغموض، كأن حادثة الطبعة تمشي بآثارها على الأرض وهي ترسل موجات جديدة تلتهم هذه المرة كل صور البحر، موجات من التآمر، والاستغلال، والردم الجائر للبحر بما فيه ”بحر الميزان“ الذي يحتضن الحظور الخمسة، هنا نكتشف الدور الجديد لزهير، الكاتب الصحفي الذي سيرفع رايات الاعتراض في مقالاته ضد الردم الجائز للبحر، مختارا في ذلك مواجهة غطرسة الآلة والمال، وهما يزحفان باتجاه ردم البحر والذاكرة معا.

طوفان التحولات التي لحقت بالمكان وصوره لا يشبهه إلا طوفان الطبعة في رواية الشويخات، فحتى المتآمرون بمالهم على هذا الساحل سيؤول مصيرهم إلى السقوط في واحدة من موجات الكشف عن الفساد، فالبحر حينها سيبتلع كل شيء، ولا يبقى إلا ما يلفظه كرسائل للواثقين من غوصهم في ظلماته.