آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

الدين زنزانة الإنسان الأبدية

جلال عبد الناصر *

يرى جوستاف لوبون أنّ القرارات التي يتخذها الإنسان هي مجموعة من الآراء قائمة على مجموعة من المعتقدات التي يقوم عليها منطق الإنسان في بعض المواقف. أي إنه يخضع لعملية ذهنية مستمرّة هي أشبه بالعملية الحسابية خلال اتخاذه لأيّ قرار. وقد قسّم المعتقد إلى خمسة أنواع، هي: العقلي، والديني، والعاطفي، والبيولوجي والجمعي.

فعلى سبيل المثال، عندما يقرّر شخص ما الزواج، قد يحدث أن تبدأ العملية ذهنية بالعمل على مستوى عالٍ من التفكير لاتخاذ القرار. فالمنطق العاطفي يُرشده إلى ضرورة الزواج، فهو استقرار نفسي بطبيعة الحال. والمنطق الديني يساعده على ذلك أيضًا، فهو يضمن إلى حدٍّ ما عدم الوقوع في الذنب. كذلك الجانب البيولوجي سوف يُهيئ له تفريغ طاقته الجنسية. أما من ناحية مجتمعية فالزواج عرف وطريق نحو التكاثر. كذلك الجانب العقلي الذي يفتح مساحة من التخطيط نحو تحقيق الهدف. وتلك هي العملية الذهنية التي يبني عليها الإنسان قراراته.

أما فرويد فهو يرى أنّ الجانب الديني أو المعتقد الديني في بعض الأحيان له النصيب الأكبر من تلك العملية في اتخاذ القرارات الحياتية. فكلّما انخفض مستوى الأنا لدى الإنسان، زاد ذلك من قوة المعتقد الديني التي تسيطر على الأنا الأعلى لديه. ويرى كذلك بأنه حتى قبل أن يعرف الإنسان الأديان السماوية كان يميل إلى «التبرير». وهي إحدى وسائل الدفاع النفسية التي تخفّف من نحو الشعور بعقدة الذنب. وقد يبالغ الإنسان في توسعة رقعة الجانب الديني في السيطرة على مجريات حياته. وبالتالي يحدّ من دور العقل الذي هو شريك في اتخاذ القرارات. أي إنه يضع نفسه ضمن إطار المعتقدات المسيطرة على الذات «self-limiting beliefs»، وبالتالي يكون قد حوّل الدين إلى زنزانة.

إنّ عملية غرز الأفكار في عقل الإنسان خصوصًا منذ نعومة أظافره، وخصوصًا إذا ما مورست بطريقة ممنهجة، من شأنها أن تجعل من الأنا الأعلى قوة مسيطرة على الإنسان. فحضور مبدأ الثواب والعقاب وغيره من أساليب التربية يخلق حالة صلبة بطبيعة الحال من التشدّد الديني. وهي الحالة التي تسمّى بـ «الإيمان». وإنّ أيّ لحظة مراجعة لتلك المعتقدات إنما هي حالة تمرّد على الدين.

إنّ تصرفات الإنسان الفردية في طرق باب التغيير هي بمثابة مغامرة قد يعاقب عليها القانون والمجتمع. ولكن إذا بدأ صاحب السلطة الدينية بسنّ قانون جديد يُجيز سلوكًا لم يكن مقبولًا مسبقًا، يبدأ أفراد المجتمع بتقبّله بشكل تدريجي. وهنا تبدأ الأنا الأعلى بمصالحة الأنا فيبدأ الإنسان بممارسة ما كان ممنوعًا.

من حقّ الإنسان أن يعرف بأنه تم إغراق عقله بالمعتقدات الدينية من قبل الأسرة أو الإعلام نظرًا للأوامر الآلية المقدّسة. وفي الوقت نفسه من حقّه أن يعرف أيضًا أنّ تلك الأوامر الإلهية تقبل التغيير. وهي ليست ضمن قائمة كبائر الذنوب التي تفتح أبواب جهنم على مصراعيها. فقد جاء في الأثر أنّ الدين دينُ يُسر، فسدّدوا وقاربوا. فهناك التزامات دينية وهناك التزامات مدنية.

وإنّ ما حدث فقد تم دمج الالتزام المدني بالالتزام الديني. فالدراسة والعمل والقيادة كانت ضمن المحرّمات لدى نساء بعض المجتمعات في مختلف العالم. وإنّ ما حدث الآن أصبحت تلك القائمة ضمن عصور الجاهلية. لقد تم سكب تلك الوظائف والمهام ضمن المعايير الخاطئة أرواح أصحاب السلطة بوضعها ضمن مقياس الدين الذي لا علاقة له بالأمر تمامًا. فهو شأن مدني قح. إلّا أنّ عامل الخوف من عدم القدرة على اتخاذ القرار ذهب بهم إلى وضع الدين في وجه المدفع.

الدين لا يصادر حقوق الإنسان، وإنما الإنسان هو من يصادر حقوقه بنفسه عندما يخلط الحابل بالنابل ويحوّل الدين إلى زنزانة تفقده متعة الحياة ويعيش ضمن صراعات الأبدية.

اختصاصي نفسي في مجمع إرادة للصحة النفسية بالدمام