عزة العالم العامل.. الشيخ المصلي أنموذجاً
في الوقت الذي يحمل البعض صورة سلبية عن الحوزوي والبعض الآخر الذي تعدى مرحلة التصور الذهني إلى العمل على نشر ذلك التصور بالتهويل والتعميم المجحف، تطل علينا صورة مشرقة من التفاعل وقوة الارتباط بالحوزوي، رغم فداحة الخطب ألا وهو ما فجع به المؤمنون في المدينة المنورة والقطيف والنجف وقم برحيل العالم الرباني آية الله الشيخ مهدي المصلي رضوان الله عليه، واقعاً لقد كان خبراً محزناً وفقداً لا تسد ثلمته.
على تخوم ذلك تنعكس صورة لعالم عامل أي أنه لم يكن صرحاً علمياً أجرداً، بل كان جنة غناء ترفل بزهور تجسيد ما تعلمه في أرقى درجات انعكاس المعقول الذهني على الظاهر البدني والسلوكي.
ومن المحطات التي تعكس علم العالم إن كان انعكس على نفسه أم لا هو مواطن الاختلاف، فقد استمعت لمحاضرة لهذا العالم الجليل، والتي عقدت لمناقشة ما طرحه أحد رجال العالم، والذي أثار ضجة في حينه، فقد تناول الشيخ رضوان الله عليه الموضوع بكل هدوء وحتى أنه ذكر اسم المُشكل عليه بكل أريحية، وأخذ يفند أقواله؛ مما يخرجك من المحاضرة وأنت تحمل درساً في الموضوعية في حل الإشكالات العلمية بدون تشنج أو عصبية قَدْ تجدها عند من يوغر الصدور على المُشكل عليه.
ما تناقله المؤمنون عن هذا العالم الجليل في وسائل التواصل الاجتماعي هو مدرسة للحوزويين بشكل خاص وللمؤمنين بشكل عام.
فللحوزويين أعطى صورة عن كيف يكون العالم دواراً ”بِطِبِّه“ متجولاً ومنفتحاً على مجتمعه أينما حل مُحكماً ”مَراهِمَه“ ومُحمياً ”مَواسِمَه“ سائراً على نهج محمد وآل محمد. فلم يكن العلم حجاباً رغم الوصول إلى أعلى دراجات الفقاهة، كما ينقله أهل الخبرة عنه، فلقد كان يتصدى لتفقيه المؤمنين حتى عن المسائل الأولية فضلاً عن أعمق المسائل، محتضناً الجميع بروحية العالم الحاني على أيتام آل محمد.
أما للمؤمنين بشكلٍ عام، فأعطى صورة العالم القريب منهم والحريص على التواصل معهم والسؤال عنهم.
وأما بالنسبة للمثقفين وأهل الاختصاص، فلقد حضرنا نقاشاته عن الطب النبوي مع المختصين من الأطباء الأكاديميين وكان يجيب بتضلع عن مسائلهم. كما كانت لديه بحوث يتلقفها المثقفون لما وجدوا فيها من مواكبة لما يدور من قضايا معاصرة ومعالجتها بعلم رصين نقي مبني على هدي النبي وآله.
أما أولئك الذين يكيلون التهم للحوزوي ويعممونها، فها هو النموذج الراقي والصورة الناصعة تنعكس بالحزن على فراقها فلا يوجد أصدق من المشاعر في مثل هذه اللحظات، وهي نتاج ما بذره هذا العالم الجليل في النفوس من خلق كريم وعلم رصين ونهجٍ قويم طالباً وجه الله تبارك وتعالى. فإن كان هناك صور تنفر، فهذه صورة مشرقة تمثل مدرسة أهل البيت .
رحم الله شيخنا الجليل وحشره مع أوليائه محمد وآله الطاهرين وعوضنا بمن يسد هذه الثلمة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون.