ضجيج
كم هو مرهق ذاك الضجيج الصامت الذي يستحوذ على أعصابنا ليسلب من أحاسيسنا أرهفها.
سواء ضجيج صامت ذلك الذي ترمي به الذكريات في دورب أعمارنا.
الحياة الشخصية ما أن يدخلها آخر تصبح معادلة معقدة، حلولها دومًا نسبية لأنها تقوم على أكثر من شخص.
تلك العلاقة الثنائية حتى بين الأصدقاء تحتاج مقومات نجاح فإن لم تكتب لها الاستمرارية، تركت ذكريات جميلة.
أما لو انتهت الصداقة بسبب مشاحنات وأنانية وما لذلك فحتمًا ستترك وخزًا مزعجًا في النفس ممكن أن يتفاقم لإحباط وسود ذكريات.
كذلك علاقة زوجين تنتهي بالانفصال، مهما وصلت حالة الإحباط النفسي فالأيام قد تكون كفيلة بترميم ما آلت له حياتهما باختيارهما.
أما الطرف الثالث الأولاد... مهما اجتهدنا بتوقع وقع الخلافات أو الانفصال عليهم لما أدركنا ولو شيئًا بسيطًا من حقيقة الأمر.
يكفي أن ننظر بعيون طفل تجمد فيها الحزن أو انهمرت منها الدموع بلا أدنى سبب مفهوم محاولًا بطريقته الخاصة القول أنه يفتقد السكينة والأمان، يحن إلى دفء وحب عِش الأسرة الطبيعية بظل أبوين متحابين منسجمين.
دمعة متحجرة بمقلة صغير يفترض بها أن تذيب الحديد فأين الأبوين من ذلك الضجيج الصامت.
أليس كل الخلافات توافه أمام فكرة صحة نفسية طفل. إن لم يكن كذلك فما قيمة الأسرة في مخيلته.
من؟ في هذه الحياة لم تترك مشاحنات الأهل ندبة حزن على جدران قلبه! عدى عن كثر من النفوس التي هشمت الخلافات جمال الحياة بعيونها.
فما الإنسان عمومًا إلا مجاميع مواقف وانفعالات، أما إيجابية تصقله أو سلبية تحبطه.
فكم منا لم يستوقفه في وقت ما أو مكانًا ما صدى ذاك الضجيج الصامت المنبعث من ملامح أحدهم هنا وهناك، هذا إن حصل وتجاوز تلك الملامح في المرآة كل صباح.
فكثيرون هم من يحملون ضجيجهم الصامت بين جوانحهم ويهيمون في هذه الدنيا بوجوه جميلة باسمة لا تشبه دواخلهم المعطوبة بفعل خلافات لا ذنب لهم فيها ولا خيار. كل ما هنالك أن القدر حتمها عليهم.
وليس بالضرورة أن ترتفع الأصوات ويسود العنف اللفظي أو الجسدي الأنحاء، فحيث وجد الطفل وجدت حاسة استشعار دقيقة ترسم بدقة متناهية ذاكرة صغيرة كلما تقدم العمر نمت بها الذكريات وطالت إلى أن تشكل بطريقة ما مستقبل حياته الخاصة بعيدًا عن أسرته صحيح، إنما بكامل تبعاتها وإسقاطاتها عليه.
إذا..... كلنا كُلاً من موقعه مسئول عن تأسيس نفسية متزنة لأفراد أسرته. وإلا سيكون شظية في أكوام الهشيم بداخله.
كلنا ندرك أن الطفولة مرحلة عمرية ممتدة للممات إذ هي من تشكل شخصياتنا وتبني فكرنا وترسم أحلامنا.
نحن من نرث ونورث ضجيج الصمت من وإلى... هكذا دون أي اكتراث وكأننا ننتقم من سوداوية ذاكرتنا بإنكارها والهروب من مواجهتها.
في حين أن التحرر من تلك الحالة لا يحتاج سوى بعض وعي وثقافة مع قليل من الحكمة بصحبة حب شفاف لا تشوبه الأنانية وقبل كل ذلك التسامح والغفران.
فنحن لا نملك خيار تغيير الماضي ولا إدارة طرق تربيتنا. لكننا دومًا نمتلك خيار تغيير اللحظة والغد وكل أيامنا.
نستطيع، بل يجب أن نضع منهجية خاصة بنا تلائم مستوى تعلمنا، تحضرنا، فكرنا، مستقبلنا، والاهم تنشئة أبنائنا بصورة راقية هي أبسط حقوقهم ومنتهى مناهم.
أن نربي جيلًا متحررًا من قبضة الضيق لعقد لا ذنب له بها، فلا بد التخلص من ضجيج الصمت المتوغل في أعماقنا.
لأن ببساطة حياتنا تصنعها قرارتنا وسعادتنا مفاتيحها قلوبنا.
إذا نحن قادرون على التحكم بدواخلنا بالتالي نثر الفرح بقلوب أحبابنا.
فلنقل وداعًا ضجيج الصمت ولتغمر السكينة أعمارنا.