القناعة ليست كنزا
كثيرا ما يتداول قول: ”القناعة كنز لا يفنى“. والحقيقة أن هذا القول صحيح في بعض الموارد، وفي موارد أخرى هذا خطأ. فالقناعة ليست كنزا وغنى وعزا في كل الموارد.
فإذا كانت القناعة تعني الاقتناع بما اكتسب المرء من حسنات، فهذا باطل، بل ينطوي على عدم وجود إيمان حقيقي في النفس وخوف حقيقي من الله، وغرور من زرع الشيطان. ولم توجد ولن توجد رواية أو آية أو عقل يشير إلى صحة هذه القناعة.
والقناعة في العلم، أي الرضا بما كسب الإنسان من علم، أيضا هذه خاطئة، لأن زيادة العلم فريضة ومنفعة مستمرة للجميع ومتصاعد عن طريق تزكية النفس والعقل في ذات الإنسان.
أما القناعة بما قسم الله، أي قسمة الله، فهذا عنوان الإيمان والتسليم لله. إلا أن هنا ممارسة ضيقة لهذه القناعة الممدوحة، فقسمة الله لا تعني فقط المال، وإن كان المال من أوضح التطبيقات، بل قسمة الله تعني ما قدر الله له من مال وجسم وأحوال لا دخل له فيها. فالقناعة هنا كنز لا يفنى وهي السلوك الصحيح.
ولكن لا يفهم من القناعة الاستسلام والرضا بما أعطاه الله دون السعي له، بل تعني السعي وبذل الجهد في طلب المال وطلب التغيير الإيجابي في كافة مجالات الحياة المقدور عليها، ولكن دون بذل جهد رائد وتعب زائد لتحصيل المزيد، وإلا كان حرصا عليها.
والحقيقة أن قناعة النفس ورضاها هي التي تجعل الإنسان يقنع بما لديه ويستمتع به. فمثلا قناعة النفس بالطعام المقدم وعدم الشعور بالسلبية تجاهه هي التي تجعل الإنسان يتلذذ به. أما الشعور بالسلبية والملل منه، فإنه يخلق النفور منه والسأم. كل ذلك في الأمور الطبيعية لا الشاذة.
والقناعة هنا، وإن كانت أمرا غير إرادي مباشرة، إلا أن هناك طرقا عديدة، وإن كانت تتطلب الصبر والرؤية غير التقليدية، لترويض النفس وتشكيلها التشكيل الصحيح. والقناعة قبل كل شيء هي إلهام للنفس بها، أي أن يحاول الإنسان أن يلقن نفسه، ويكرر عليها مسألة القناعة في الموارد التي تتطلب القناعة. ”ألهم نفسك القنوع“ وهو بذلك يعين نفسه على النزاهة والعفاف وعزة النفس والتخلص من الغم المتعلق بموردها.
والحقيقة أن من لم يقنعه اليسير لم ينفعه الكثير.
اللهم ارزقنا القناعة بما قسم الله لنا وقدر من مال وجسم وأحوال. فهذه القناعة الحقيقية والإيمان. والله ولي التوفيق.