آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:36 ص

”المنجلي“ بين الماضي والحاضر والمستقبل

الدكتور عبد الله آل زايد *

في عام 1904م، وتحديدًا في اليوم التالي للكريسمس، دخل مريض اسمه والتر كليمنت نويل أحد مستشفيات شيكاغو شاكيًا من ضيق في التنفس. وعند فحص فيلم الدم وُجدت ”أشكال خلايا تشبه شكل الكمثرى وأخرى ممدودة“؛ فهرع طالب الامتياز والمتدرب إرنست آيرونز إلى مشرفه الدكتور جيمس هيريك، الذي أكد وجود هذه ”الخلايا منجلية الشكل“. وفي عام 1910 نشر هيريك أول ورقة بحثية تتحدث عن حالة والتر كلمنت نويل، وهي حالة أصبحت تعرف فيما بعد باسم ”فقر الدم المنجلي“.

هذه الحالة كانت أول حالة في العالم يتم تشخيصها بالأنيميا المنجلية. أما في المملكة فإن أولى الحالات التي تم تشخيصها كانت بين موظفي شركة أرامكو، ولكن يجب أن نذكر أنه قبل عام 1958م لم يتم تشخيص أي حالة لفقر الدم المنجلي في منشآت أرامكو الصحية، ولا بين موظفي أرامكو، سواء السعوديون أو الأجانب.

وأول تقرير تم نشره عن فقر الدم المنجلي كان في سنة 1963م، وكان بين موظفي الشركة، وذكر التقرير أن أغلب الموظفين المصابين كانوا من ”واحتي“ القطيف والأحساء «عندما كانتا واحتين». وتاريخيًّا، فإن هناك فرضيتَين في تفسير انتشار فقر الدم المنجلي في دول الخليج؛ إذ يعتقد بعض العلماء أن سمة الأنيميا المنجلية ظهرت إما نتيجة طفرة جينية، حدثت بسبب طفيل الملاريا؛ إذ كانت المنطقة موبوءة بالملاريا وقتها، أو بسبب الهجرات التي كانت تحدث بين الهند ودول الخليج، وكذلك هجرات الأفارقة وجنوب المملكة. ويلاحَظ أن النوع المنتشر في المنطقة الشرقية هو النوع نفسه الموجود في شبه القارة الهندية، بينما النوع الموجود في جنوب المملكة هو النوع نفسه الموجود في إفريقيا. ويلاحظ أن مرضى الشرقية لديهم سمة ثلاسيميا ألفا أكثر من مرضى الجنوب، كما أن مستوى الهيموجلوبين الكلي والهيموجلوبين الجنيني أعلى في مرضى الشرقية ومرضى دول الخليج؛ وهذا ما يجعل شدة المرض تبدو أخف ظاهريًّا، ويتأخر ظهور المضاعفات في مرضى الشرقية - نوعًا ما - مقارنة بمرضى مناطق جنوب الجزيرة العربية.

وعلى أية حال، فإن كلا النوعين يشترك في أغلب الأعراض والمضاعفات، وإن تفاوتت النسب بينهما من حيث الانتشار والشدة. ومن المعروف أن فقر الدم المنجلي هو مرض يلازم المريض منذ ولادته، ويعيش معه طيلة حياته. وإضافة إلى أعراض الأنيميا، فإن الألم يعتبر السمة البارزة في مرض فقر الدم المنجلي؛ إذ يتأرجح مريض فقر الدم المنجلي بين الآلام المزمنة والآلام الحادة، كما أنه يكون عرضة للالتهابات مما ينتج عنه عدوى وتدهور في حالة المريض، وخصوصًا إذا أصيب بنوبة الصدر الحاد أو بالنوبات الدماغية، وكلتاهما يجب معالجتها على وجه السرعة وإلا تعرضت حياة المريض للخطر.

أما من ناحية العلاجات الجديدة فنبشركم بأن هناك أكثر من 30 علاجًا لا تزال تحت الدراسة، ولكن ينبغي الإشارة إلى أن أفضل العلاجات المتاحة حاليًا هو علاج الهيدروكسي يوريا، وهو علاج فعال جدًّا، وله أكثر من خمسة وعشرين عامًا يستخدم لهذا المرض. كما أن هناك ثلاثة علاجات حديثة ظهرت في السنوات الأخيرة، هي: فوكسلوتور «الاسم التجاري أوكسبيرتا Oxbryta» وإل - غلوتامين «L-gutamine والاسم التجاري إنداري Endari». ومع الأسف فإن علاج كريزنليزوماب «الاسم التجاري أداكفيوadakvio» تم إيقافه في أوروبا وكذلك في المملكة، ولكنه لا يزال يستخدم في أمريكا.

وتجدر الإشارة إلى أن كل هذه العلاجات الهدف منها السيطرة على المرض، وليس الشفاء منه. وتبقى زراعة الخلايا الجذعية، أو زراعة نخاع العظم، هي العلاج الوحيد المعتمد للشفاء من المرض. ويفضل أن تكون الزراعة قبل عمر ستة عشر عامًا؛ لتكون النتائج أفضل، ولكن قد تتم الزراعة بعد هذا العمر، وبنتائج جيدة جدًّا. كما أن هناك العلاج الجيني الذي يعتبر أحد العلاجات الواعدة لفقر الدم المنجلي.

وفي الحقيقة، نحن على وشك الوصول للحظة تاريخية لهذا العلاج! فبالتأكيد نحن أقرب إليه بكثير مما كنا عليه في أي وقت مضى؛ إذ كنا نسمع عن العلاج لأكثر من عقدين من السنوات، ولم نصبح أقرب إليه مثل الآن؛ فهناك أمل كبير في أن نتمكن من تقديم علاج شافٍ لمرضى فقر الدم المنجلي قريبًا، وربما في غضون أقل من ثلاثة أشهر إن شاء الله تعالى. طبعًا إذا صدق حدسي!

استشاري باطنية وأمراض دم ومدير برنامج زمالة أمراض الدم بشبكة القطيف الصحية