رسالة من أب لأبنائه بعد بلوغه عمر الستين
أحبتي أبنائي وبناتي
الحمد لله وله كبير الشكر، وفقني الله وكونت أسرتي على أسس من التقوى والإيمان بالله وحفظ النِعم واستثمار الوقت والاهتمام بالصحة والنظافة والطهارة والعفة واحترام أهل العلم وتبجيل كبار السن والعطف على الصغير وحسن التقييد بالأنظمة الرسمية. وقد وفقني ربي، وأعانني بالتضامن مع زوجتي الغالية في تكوين بذرة أسرتي الصغيرة حينذاك. ومع تقادم الأيام ومرور السنوات أكرمني الله وأهداني الله جملة من النِعم والهدايا. فكنتم على رأس تلك الهدايا الإلهية العظيمة. فشكرا لله العلي الأعلى على كثير نعمه وكبير كرمه. فأصبحتم يا أبنائي بعد سؤالي لله أن يهبني ذرية صالحة، فجعلكم الله جزءاً من حياتي وهبته لي وأفراد أسرتي. فالحمد لله على ذلك. وقد بذلت قصارى جهدي لأحفظ ماء وجوهكم، وأفيض عليكم من النِعم التي أنعم الله بها علي وأكرمكم حد الاستغناء عن الحاجة أو العوز لأي أحد سوى الله. فأصبحتم بفضل الله رجال ونساء كاملي العقل وأسوياء البدن وكاملي الخلق والخلقة والأخلاق والرزانة والفطنة والتعليم والبصر والبصيرة.
ولله الحمد كنتم وما زلتم مصدر فخر واعتزاز بالنسبة لي لجميل أخلاقكم وعال همتكم وكبير ثقتكم بأنفسكم وسعيكم الدؤوب في تحقيق النجاح بعد النجاح في حياتكم، وفي دراستكم وأعمالكم والنأي بالنفس عن أهل الرذيلة وتجنب طرق الفشل وبذل الجهد لصنع الأفضل وحسن الانتقاء للأصدقاء والزملاء. فالحمد لله على كثير نعمه وجميل توفيقه.
أحبتي أبنائي وبناتي
نعم أنا سألت الله الرزق بالذرية الصالحة، ووهبني الله بفضله وكرمه إياكم، واستأمني عليكم كوديعة. فكنت وما زلت وإن شاء الله سأسعى مُجدا لأن أكون نِعم الأب الحامي لكم والباذل المال عليكم والمكرم لكم. وأسأل الله أن تكونوا أنتم نِعم الأبناء البارين بي وبوالدتكم والمعينين لي في تحقيق حسن الثناء والحمد لله بحسن العمل والسلوك والمعاملة. فلا تغرنكم الدنيا وإن زانت لكم، فإنها تأتي بمحاسن غيرها نحوكم، وتذهب عنكم بمحاسن ما عندكم. فكونوا لله أوفياء وكونوا لنبي محمد ﷺ اتباع صادقين، وكونوا لآل النبي مقتدين. وتجنبوا السخفاء وأهل الفحش من الناس. وتفادوا القاسية قلوبهم والكذابين وأهل المكر الخبيث، فإن المكر الخبيث يحيط بصاحبه، وإن نجى من سوء العمل عدة مرات. ولا تقارنوا بين ما في أيديكم وأيدي إخوانكم؛ وإنما كل منكم يسعى لجعل يومه أفضل من أمسه وغده أفضل من يومه.
أحبتي أبنائي وبناتي
أتيتم إلى الدنيا بإرادة الله سبحانه وتعالى وليس بإرادة والديكم. فأحسنوا لأنفسكم بجميل الصنيع ولطيف السعي وجميل العشرة وتهذيب النفس وإصلاح السريرة والبعد عن الفتن والصد عن عروض الشياطين وتجنب فخاخ إغواء السوشل ميديا والعمل على إحراز حسن الخاتمة. فإن دقات الساعة تُنبئ صاحبها بتسارع الأيام وانطوى المدة واستنزاف العمر وقلة الزاد وطول الرحلة. فلا تكونوا مطبة للذئاب، ولا تكونوا أعوان للأشرار، ولا تصاحبوا الحمقى، ولا تجاوروا اللئيم، ولا تجالسوا البخيل، ولا تسافروا إلا مع الوفي، ولا تحجوا إلا مع التقي، ولا تفشوا بأسراركم إلا لأنفسكم، ولا تواكلوا المنان، ولا تدخلوا بيت الخوان. وصاحبوا أهل الدنيا بالمعروف واجعلوا الابتسامة حية في وجوهكم. وبادروا الناس في العطاء والعمل الصالح والإهداء فإن المبادر صانع معروف ومبدع جميل وإن اللاحق له مقتفي أثر وراد جميل لأهله.
أحبتي أبنائي وبناتي
كل منا مع تقادم سنين العمر وظهور آثار الشيخوخة وتعثر أداء وظائف بعض أجهزة الجسد وجب تأكيد إعادة الرسائل المهمة في الحياة واغتنام الوقت في الاستمتاع بكل ثانية مع من نحب قبل فوات الأوان. غرست شجرة الحب فيما بينكم فكونوا لها محافظين وعليها قائمين ومهتمين. وكونوا لصلة الرحم بينكم مهتمين ومواصلين. ولا يكن المال أصل العلاقة فيما بينكم، ولا تكن المفاخرة شعاركم، ولا تجعلوا للشيطان سبيلاً بينكم. ولا يخجل أحدكم من إذكاء روح المبادرة بالقليل، فإن الحرمان من المبادرات هو العدم. كونوا فيما بينكم عطوفين ودودين بشوشين كريمين متسامحين متعاونين متعاضدين. ولمن قصر منكم عاذرين ولمن نأى بنفسه عنكم ناصحين، ولمن شعرتم بحاجة له لمال أو مساعدة مبادرين. فان دار الدنيا لا ينجوا من حُفرها إلا المتقين ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: آية 67].