آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

تنشئة الأبناء على احترام الغير

صالح مكي المرهون

من المهام الملحة في تربية الأبناء تنشئتهم على احترام الغير، وحسن التعامل مع الآخر. وهذه هي وظيفة الوالدين في الأصل، ووظيفة الجهات المعنية بالتربية والتعليم. كذلك كان المعلم والأستاذ الفاضل حسين المدن يعلم طلابه على هذا المنهج في التعامل مع الآخرين.

فحينما يفتح الطفل أو الابن عينه على محيطه الاجتماعي، قد يرى أناسا مختلفين معه في اللون أو الشكل أو الدين أو الرأي. وهنا يأتي دور التربية. فالتنشئة السليمة هي التي توجه الطفل إلى احترام الآخرين باعتبارهم بشرًا تجمعهم مشتركات الإنسانية. أما الاختلاف في الأمور الأخرى فهو اختلاف عرضي لا علاقة له بجوهر البشرية للإنسان. فلا ينبغي احتقار أحد أو الاستهانة به أو إساءة التعامل معه بحجة أنه يختلف معي في بعض الأمور.

وهذا ما يجب أن يربى عليه الأبناء من قبل عوائلهم، ومن قبل التربية والتعليم، ويغرس فيهم منذ الطفولة. لذلك ينقل لنا القرآن الكريم مواعظ لقمان الحكيم الذي شهد الله له بالحكمة، وجعل في القرآن سورة باسمه. فعندما يتوجه لقمان لابنه لكي يعظه، وبعد أن يحدثه عن توحيد الله:

﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: آية 13]

يستمر في مواعظه إلى أن يقول: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ [لقمان: آية 18]

ما معنى تصعير الخد؟ هو هزو الإعراض بالوجه احتقارًا واستهانةً.

﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا لا تشعر بالغرور بسبب إمكانية أو تفوق.

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ، المختال من الخِيلا، أي أن الإنسان يتخيل في نفسه أنه العظيم والمهم، وأنه أعلى من الآخرين. فيعيش هذا الخيال كأنه واقع، وهو غير ذلك. والله لا يحب الإنسان الذي يتعامل مع الآخرين على هذا الأساس.

هذه النصيحة التي قدمها لقمان الحكيم لابنه هي درس لكل الآباء والعوائل، أن يتحدثوا مع أبنائهم، ليؤكدوا لهم احترام الإنسان، وخاصة حينما يعيش الأبناء في محيط تعددي تتنوع فيه الانتماءات. لا بد من التأكيد على القيمة الإنسانية العليا:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: آية 13]

وهكذا تتحدث النصوص المختلفة عن رسول الله ﷺ كقوله: «كلكم لآدم وآدم من تراب»،«أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى».

يقول الإمام علي : «النّاسُ صِنْفانِ إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ».

احتقار الآخر لوجود اختلاف أو تباين معه مرفوض، وموجب لغضب الله سبحانه وتعالى. ورد عن رسول الله ﷺ: «لا يزرأن أحدكم بأحد من خلق الله فإنه لا يدري أيهم ولي الله».

وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم: «بِحسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ»

هذا هو المنحى السليم، منحى تربية الأبناء على احترام الآخر المخالف. أما التربية على العنصرية التي يمكن أن نشهدها في بعض الأسر والمجتمعات التي تسودها ثقافة العنصرية، يتربى فيها الأبناء على احتقار الغير الذي يختلف معهم في الشكل أو في الانتماء في الدين. فكان المرحوم الأستاذ المدن يربي طلابه وأبناءه على هذا المنوال.

اللهم اجعلنا من المحترمين لكي نحترم.. إنك سميع مجيب.

والله ولي التوفيق،