زر الطوارئ
بقاؤنا على قيد الحياة مربوط بتلك النبضات التي لا تتوقف، ومن جميل صنع الخالق أننا لا نستشعرها بالغالب، تأتي هادئة وترسل الدماء لكافة الجسم بكل نظام.
لا شيء يتعب القلب ويخل توازنه بشكل سريع، ويجعلك تستشعر أن نبضة القلب ستخرج من صدرك مثل «الخوف»، هنا سيدق القلب زر الطوارئ وسيبقى مجهداً معلنا حالة العمل القصوى إلى أن يزول الخطر..
واليوم في المدرسة الابتدائية «الطفولة المبكرة» في الأوجام، كانت نبضات كل أبنائنا من الطلاب ومعلماتهم تنبض سريعاً؛ فور إعلان حالة الطوارئ للبدء بتنفيذ مرحلة إخلاء المدرسة بسرعة؛ لوجود التماس كهربائي في إحدى غرفها.
انطلقت سيارات الدفاع المدني فور تلقيهم الاتصال، وهم البعض ممن سمع الخبر ومنهم أنا، للذهاب للمدرسة والمساعدة بما نستطيع من الخدمة، وقفت حائرا عند وصولي، مندهشا مما رأيت.. لأني لم أجد المدرسة تحتاج إلى مساعدة.
في وقت قياسي تم إخراج كل الطلبة والأطفال خارج المدرسة، وكنت أنظر للطلاب المتجمعين بهدوء كل قرب معلمته بشكل منظم، وكأن للمعلمة أيدي الأخطبوط تمسك طلاب صفها بكل حب.
كانوا يتحركون بطمأنينة وسكون رغم صغر سنهم وهم ينتقلون للمدرسة المجاورة لهم؛ بعكس الخوف والتوتر الذي كان بداخلي، هنا أدركت أننا نملك مدرسات خلعن لباس مهنة التعليم، وارتدين لباس الأمومة. وهذا سر قوتهم التي لم يحتجن فيها جهود أي أحد خارج نطاق المدرسة.
إن معدن الإنسان الحقيقي تكشفه المواقف والظروف، ويا لحسن حظنا أننا نمتلك جواهر عديدة بصورة معلمات وهيئة إدارية هم كفوء لهذا المكان بجدارة.
قدمت لنا التكنولوجيا الكثير من الخدمات والأجهزة للعمل بمثل هذه المواقف الطارئة، من مطافي حريق وأجهزة إنذار وغيرها من الأجهزة؛ لكنها لم تقدم لنا قلوبا رحيمة أبدت الأولوية والهدف الأثمن بسلامة كل الطلبة، وأراهن أن كل معلمة كانت تنظر بعين ثاقبة بكل صفها لتتأكد من خلوه من أي أحد، رغم الخوف وعمل الإخلاء السريع.
اليوم شهدت الأوجام إنجازا حقيقيا جاء بدون ضرر أو إصابات، يثبت فيه أن معلماتنا مميزات يمتلكن هذه القوة التي تجعلنا نضع أبناءنا في أيديهن مرتاحين؛ لإدراكنا أنهم غالين في مدارسهم.
رجع أبناؤنا اليوم لمنازلهم دون خوف؛ لأن كل نبضات الخوف امتصتها معلماتهم وتعلموا درسا جديدا غير مكتوب بالمناهج أن «الشجاعة والنظام قوة» وتدريبا حقيقيا يجعلهم لا يخافون الظروف المفاجئة.
يبقى الجزء المتمم من بناء هذه الثقة على عاتق الأهل بترديد عبارات تغرس في أبنائهم الفخر بما طبقوه في عملية الإخلاء هو، عمل مميز وبطل. بدل أن يكرروا أمامهم مشاعر الخوف والهلع.
تحية وتصفيق لكل القائمات والعاملات في المدرسة الذين لم ينظروا إلى الخلل والمشكلة بل اتجهوا مباشرة لطرق تجاوزها بشكل منظم وحكيم.
المديرة التي لم تخرج من المدرسة إلا عندما تأكدت إتمام إصلاح الخلل بشكل كلي، المدرسات اللواتي احتضنوا حبا كل طلابهم، والأهالي الذين امتلكوا ذوقا رفيعا، وهم يشكرون الكادر التعليمي وقت ذهابهم إلى استلام الطلبة، جميعكم أثبتم اليوم أنكم يد واحدة متعاونة، أثبتم بالأعمال، لا الأقوال «نحن نربي جيلا من القوة، لا الضعف»