آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

آخرة المعروف

سعيد الميداني

كنت أراجع عيادة طبية وأنا في قاعة الانتظار لفت نظري أحدهم ينتظر مثلي وبيده جواله يستمع لمقاطع فيديو والصوت مرتفع، الحقيقة دُهشت من وضعه لأن هناك مراجعين آخرين يتفرجون على مسرح الحدث والجميع مستغرب ورغم ذلك لم يتدخّل أحدهم وأنا أولهم ومع تدقيقي بالنظر إلى وجه هذا المراجع تبيّن لي أنه يضع سماعة البلوتوث على إذنه وواضح أن السماعة تالفة أو ربما منتهية الشحن لذلك كان يعتقد هذا المراجع أن الصوت يصدر من السماعة، وليس من الجوال، ورغم ذلك التزمت السكوت وعدم التدخّل، ولكن بعد أن جاءه اتصال من زوجته، وتحدّث معها وطلعت الفضائح قلت لنفسي هنا لا بد من لفت نظره فالوضع لا يُسكت عنه، فجئته واقتربت منه ولوّحت إليه بإشارة بما يعني أن صوتكما يسمعه الآخرون، وفجأة قطع الاتصال وبانفعال صرخ بوجهي؛ خير إن شاء الله، خلاص دريت فهمنا، وعالج وضع صوت الجوال للكاتم وأنهى مكالمته، أنا عدت إلى مقعدي، وصرت أنظر إليه خلسة وإذا هو يرمقني بنظرة حادّة، ثم أنهى مراجعته وذلف وفي طريقه للخروج أخذ ينظر للخلف كأنّه يفتّش عنّي يريد أن يفرغ ما تبقى من نفايات غضبه.

غاية ما أريد قوله هو أننا نعيش في مرحلة زمنية غريبة الأطوار تبدّلت فيها المفاهيم والثقافات والأفكار، وما عاد الخوف على بعضنا كما كان ذلك قبل عشرات السنين عندما كان أهالي البلدة يعيشون كلهم كالعائلة الواحدة تحت سقف واحد، ولا يترددون عن النصح عندما يرون أحدهم على خطأ، أو صدر منه ما يستوجب الوعظ والتنبيه، أمّا الآن فقد أبعدتنا الحواجز الإسمنتية وأغلقنا أبواب قلوبنا قبل أبواب منازلنا، وكل واحد منّا يحمل في قلبه لافتة عريضة تقول ”من تدخّل فيما لا يعنيه سيلقى ما لا يرضيه“.

الله عز وجل قال في كتابه الكريم ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: آية 104] ونحن نقول كما قال بني إسرائيل لنبي الله موسى : ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة: آية 24].