عفاف
استقبلتها زميلاتها بالترحيب والقبلات،
أهلا وسهلا بك «عفاف»... الحمد لله على سلامتك، نحن متحمسون وسعداء لعودتك...
ابتسامة الموظفات أنستها تلك الأيام التي قضتها على السرير الأبيض تعاني نوبات فقر الدم المنجلي... كانت أيام مؤلمة لم تتعرض لها من قبل...
أجابتهن: أشكركن جميعاً لهذه المشاعر الطيبة..
قالت حوراء: لقد أعددنا لك حفلة بسيطة... أنت فراشة القسم، ولا ننس لمساتك وأحاديثك وتدريبك... كلنا تلميذاتك ومنك تعلمنا فنون العمل والنجاح...
ابتسمت لها وقالت: أنت تجاملين كثيراً...
نظرت يسارها... وجدت زميلتها «فوزية» التي كانت تتظاهر بانشغالها بكتابة خطاب إداري... لم تشأ أن تعكر صفو تلك الأجواء السعيدة...
أرادت حوراء أن تغير تلك الشحنة السلبية فقال: مرحبًا بك عفاف في مكانك الطبيعي مرة أخرى، فهذا المكان لا يمكن أن يملأه شخص غيرك. بعودتك ستنتعش الشركة مرة أخرى...
ابتسمت عفاف وقالت: شكراً جزيلا لك...
انتهى اليوم الأول... كان يوماً سعيداً... شعرت عفاف بأهميتها في الشركة... تبدد الخوف والقلق الذي كان ينتابها جراء إجازتها المرضية التي استغرقت شهراً كاملا...
في اليوم الثاني...
تقدمت فوزية نحو مكتبها وبنبرة جافة:
أستاذة عفاف، سعادة المدير يطلبك في المكتب... عليك أن تذهبي إليه...
نظرت إليها عفاف... قرأت ما يدور في فكرها الأسود... أجابتها: حسناً سأذهب إليه، لا تقلقي...
نظرت إليها حوراء نظرة خوف وحزن... كان الصمت يلف أرجاء المكتب...
نهضت عفاف، توكلت على الله...
طرقت الباب...
دخلت وألقت التحية... نعم سعادة المدير...
أجابها: أهلا عفاف... الحمد لله على السلامة... خلال فترة غيابك تعرضت الشركة لظروف خارجة عن إرادتها... أنا أعرف إمكانياتك... ولكن لا أستطيع...
قالت عفاف: لم أفهم شيئاً مما تقول...
قال المدير: إننا في أزمة مالية ولا نستطيع الاستمرار مع هذا العدد من الموظفين...
قالت عفاف: وماذا يعني...
قال المدير: آسف يا أستاذة عفاف... إننا نستغني عن خدماتك...
تجمدت عفاف في مكانها، تشوش تفكيرها...
قال المدير: يمكنك الذهاب لقسم الرواتب واستلام مستحقاتك... وستناولك نورية شهادة الخبرة ولك جزيل الشكر لكل ما قمت به من أعمال مميزة في هذه الشركة... أتمنى لك التوفيق...
خرجت عفاف من المكتب... وهي تفكر في المستلزمات المالية «الأقساط»... في عائلتها...
وصلت المكتب وكان الصمت يلف أرجاء المكان... استقبلتها حوراء... خاطبتها: ماذا كان يريد منك...
نظرت إليها، سقطت دموعها على خذيها: لقد فُصلت من العمل، حسبي الله على من ظلمني.
نظرت حوراء ناحية فورية، خاطبتها: لماذا؟ أنت حقودة، أنت ظالمة...
أجابتها فورية: ليس لي أي دخل في الموضوع.
قالت حوراء: بل أنت السبب، أعرفك وأعرف خططك الشيطانية...
تقدمت فورية ماسكة ظرفا وناولته عفاف وقالت: أتمنى لك التوفيق... حتماً ستجدين وظيفة مناسبة لمؤهلاتك وخبرتك... هذه الشهادة ستفيدك كثيراً...
نظرت إليها عفاف...
تخاطبت العيون...
عرفت فورية ماذا قالت عفاف...
تراجعت للخلف وهي ترتجف...
تهيأت عفاف للخروج من المكتب، نادتها حوراء قائلة: اهتمي بنفسك أيتها العزيزة... اغرورقت عيناه بالدموع...
لم تستطع عفاف الرد... تجمدت الكلمات... لم تستطع النظر إلى حوراء...
خرجت من المكتب وانطفأ النور... رحلت فراشة الحياة... غابت البسمة... وكان يوماً مؤلماً...
*****
وصلت المنزل...
استقبلتها والدتها...
لماذا عدت مبكراً؟ لماذا هذه الدموع؟ ما الذي حدث؟!
أجابتها: لقد فصلت من العمل يا أمي.
أجهشت بالبكاء.
ربتت على كتفها، وقالت: لا بأس يا ابنتي.
قالت عفاف: لقد ظلموني...
اهدئي قليلا...
في هذه الأثناء دخل والدها، سأل ما الذي يحدث؟!
أجابت عفاف: لقد فصلت من العمل يا أبي...
جلس والد عفاف وبكل هدوء قال: لقد خسروا طاقة وكفاءة مبدعة...
قالت والدتها: نعم، بعض الأحيان العمل في بيئة سلبية يسلبك قوتك ومهاراتك.
ثم نظرت إلى ابنتها وقالت: أليس أنت التي كنت تشكين من ضغوط العمل، وعدم التقدير لكل ما قمت به من إنجازات؟
صمتت عفاف...
مسحت دموعها...
أكمل والدها قوله: الحمد لله على كل حال يا ابنتي... كوني قوية، واقلبي هذه الصفحة، وعليك أن تجددي العزم للبدء من جديد... عليك أن تستفيدي من هذه التجربة... ثلاث سنوات كانت بمثابة دورة تدريبية مع الإدارة التي كانت تمتص طاقاتك، ومع موظفين كان بعضهم يضع العراقيل لكي تفشلي في كل مشروع تقومين به، ومع ذلك كنت أنت المتميزة يا ابنتي...
لا تجعلي هذه الحادثة نهاية رحلة الحياة والإنجاز...
قالت أم عفاف: استريحي يا ابنتي... فأنت لا تزالي تعاني من تلك الوعكة الصحية... هيا امسحي دموعك... فالحياة بها العديد من الفرص... علينا أن لا نيأس، ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ [القصص: آية 7].
وتذكري قوله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: آية 22].
نهضت عفاف وقالت: الحمد لله على كل حال، ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [غافر: آية 44].
- كن متفائلا حين تحيطك السلبية. ابتسم حين يكشر الآخرون. ذلك هو السبيل لتغيير الأشياء للأفضل.
- عندما يعاملك الآخر بشكل سيئ، كن كما أنت ولا تتغير.
- لا تدع الآخرين يعرفون أنهم قد نالوا منك. تجاهلهم. ارفع رأسك عاليا وتظاهر وكأن كل هذه السلبيات لم تنل منك، ويوما ما، سيكون الأمر كذلك.
- في بعض الأحيان يجب عليك أن تبتعد حتى تتضح لك الرؤية والصورة.