آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:35 م

الوحدة الاجتماعية

محمد أحمد التاروتي *

تشكل الوحدة الاجتماعية عامل استقرار داخلي، وعنصر قوة خارجيا، فالتماسك القوي يعطي رسائل عديدة للداخل والخارج في الوقت نفسه، فعلى الصعيد الداخلي، فإن الوحدة الاجتماعية تعزز الجبهة الداخلية، وتعرقل الكثير من المساعي إلى إحداث شروخ عميقة، في جدار التضامن الاجتماعي، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على النظرة الخارجية، حيث تتجلى في الاحترام، وعدم محاولة التخريب، نظرا لوجود عناصر داخلية قادرة على الوقوف، والدفاع عن الكيان الاجتماعي، فيما الآثار الإيجابية على الصعيد الخارجي، تتمثل في القدرة على فرض إرادتها، وامتلاك قرارها، بعيدا عن الضغوط أو الإملاءات، الأمر الذي يتمثل في التعامل بالندية، والعمل على تحقيق المصالح الذاتية بالدرجة الأولى، نظرا لامتلاك عناصر قوية، قادرة على تحريك المصالح بالطريقة المطلوبة.

الرغبة الصادقة في تجاوز جميع العراقيل، والعمل على خلق الأجواء المناسبة، لتدعيم التماسك الاجتماعي، عناصر أساسية في إظهار التعاضد بين مختلف الشرائح الاجتماعية، خصوصا وأن الاستجابة الطوعية إلى العمليات التخريبية، لضرب الاستقرار الداخلي، تنم عن انعدام في القدرة على تقديم المصالح الكبرى، على الأغراض المحدودة، لا سيما وأن انفراط عقد الوحدة الاجتماعية يصيب الجميع بالضرر، ولا تقتصر تداعياته على شريحة دون أخرى، مما يستدعي انتهاج الطريقة المناسبة، لتكريس التعاضد الداخلي في الثقافة الجمعية، باعتبارها الوسيلة المثلى للحفاظ على الكيان الداخلي، من الدسائس الخارجية وعمليات التخريب الداخلية.

وجود ثقافة داعمة للوحدة الاجتماعية، عنصر فاعل في تجسيد مفردات التعاضد، على الواقع الخارجي، خصوصا والثقافة قادرة على تهيئة المناخ العام، باتجاه بعض الممارسات، سواء كانت فاعلة أو غير مؤثرة، فالثقافة تمتلك الأدوات اللازمة لتوجيه مختلف الفئات الاجتماعية، نحو مسارات محددة، وبالتالي فإن تكريس الثقافة الوحدوية في العقل الجمعي، بمثابة طوق نجاة للخروج من التيارات التخريبية، الساعية لإدخال الفئات الاجتماعية في التفرقة، والاحتراب بمختلف أنواعه.

المعرفة المسبقة والواعية لخطورة التفرقة، على الصعيد الفردي والجمعي، يحض على وضع البرامج التوعوية، القادرة على رفع مستوى الوعي، لمواجهة مختلف الممارسات الهادفة للتخريب، خصوصا وأن المعرفة بمثابة الشمعة التي تنير الطريق أمام مختلف الفئات الاجتماعية، من خلال إنقاذ العقل الجمعي من الفيروسات المدمرة، على الصعيد الكلي، بمعنى آخر، فإن الوعي يمثل السلاح الأكثر قدرة، على كشف الكثير من الممارسات غير الصحية، التي تتخذ أشكالا متعددة، بعضها ذات تحمل شعار البراءة، ولكنها تخفي الخبث والمكر، والبعض الآخر يتحرك بصورة واضحة لضرب البيئة الاجتماعية بطرق مختلفة، للحصول على مكاسب عديدة، بعضها ذات أبعاد شخصية، والبعض الآخر مرتبط بطريقة النظرة السلبية، تجاه الوحدة الاجتماعية.

الحصول على النتائج الكبيرة، مرتبط بالإيمان الكامل بالوحدة الاجتماعية، فهذا الإيمان يتجسد في جميع الممارسات الخارجية من جانب، والحرص على تقديم التنازلات المتبادلة، في سبيل رص الصف الواحد من جانب آخر، انطلاقا من قناعات ثابتة بضرورة التحرك الجمعي، باتجاه التماسك الداخلي، باعتباره الطريق الأكثر قدرة على الحفاظ على المكتسبات، والتمسك بالقوة الداخلية، خصوصا وأن التنازلات المتبادلة لا تشكل هزيمة على الإطلاق، بقدر يظهر مستوى الوعي الجمعي، فالمكاسب الناتجة عن الوحدة لا تشمل فئة دون أخرى، ومن ثم فإن النظرة الضيقة تخلق الكثير من المشاكل على الصعيد الاجتماعي، مما يستدعي إزالة أوهام الانتصارات الشخصية، في تحقيق الانتصارات الجمعية.

الوحدة الاجتماعية تخلق الكيانات القوية، في وجه مختلف التحديات الحياتية، فهي تسهم في تحريك التوجهات الأنانية في الاتجاهات المعاكسة، من خلال فرض الإرادة الجمعية على المصالح الفردية، الأمر الذي يساعد في تشكيل العديد من المفردات الفاعلة في الثقافة المجتمعية، مما يولد حالة من الاعتزاز الداخلي، جراء انتشار الوعي الكلي تجاه أحد العناصر الداعمة، للكيان الاجتماعي، والعمل على مواجهة التحديات والصعوبات، بمزيد من العمل المشترك.

كاتب صحفي