آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

حساسية الدرجة أم حساسية الفهم؟!

كمال بن علي آل محسن *

نعاني في مجتمعنا المدرسي - وخصوصًا - في المرحلة الابتدائية من حساسيةٍ مفرطةٍ واهتمامٍ كبير من قبل أولياء أمور الطلاب لدرجاتِ أبنائهم في المواد الدراسية، وينعكس ذلك الإفراطُ سلبًا على الطلابِ أنفسهم، فيأتيك وليُّ الأمرِ زائرًا بُغيةَ معرفةِ الأسبابِ وراءَ ذلك النقصِ في درجاتِ الابن، ويتمحور الكلام حول موضوع الدرجة لا غير، فهي بقعة الضوء وما عداها عتمة وسدفة، وإذا وجهت إليه سؤالا بسيطا جدا مفاده: هل ابنك فاهم لدروسه بالكامل بكل مهاراتها؟

ينصدم بهذا السؤال ويتعجب أيما تعجب، فهو في اتجاه والسؤال الذي طُرح عليه في اتجاه آخر مغاير تمامًا لما في فكره!

إنّ حساسية الدرجات لدى المجتمع المدرسي عمومًا وولي الأمر بوجه خاص تحظى بدرجة عالية من الاهتمام والعناية والحرص، وأظن - جازمًا - بأنّ تلك الحساسية لو اتجهت بوصلتها إلى موضوع الفهم لتغيرت كثير من الأمور، ولأصبح أداء الطالب والمعلم وبقية الطاقم المدرسي في أفضل حالاته وأبهى صوره.

الاهتمام بتحقيق الفهم لدى الطالب أولى بالتقديم من تحقيق الدرجة، فهو ينقله من الدماغ البدائي إلى الدماغ العلوي، لكن ذلك يتطلب منا أمورًا منها: القراءة الواعية والعميقة لفهم عملية الفهم، والإخلاص في العمل والذي منبعه الأمانة؛ فيكون ذلك معينا لنا للنهوض بهذا النشء؛ كي يواجه التحديات التي ستأتيه في قادم أيام دراسته، وبخاصة في المرحلة الثانوية، حيث يكون هناك المنعطف الصعب في مواجهة مثلث كبير يتكون من: الدرجات، واختبار القدرات، والاختبار التحصيلي.

إن معاناة أبنائنا الطلاب في احتواء ذلك المثلث والسيطرة عليه، والتي يعيشها كذلك أولياء الأمور والمدرسة، تدعونا وبدون تردد إلى التغيير، وتقديم حساسية الفهم على حساب حساسية الدرجة، حتى لو تطلب منا ذلك التغيير إلى تحمُّل النقد السلبي والتعامل معه بأسلوب تربوي هادئ؛ حتى تهدأ أمواجه.

إنَّ تبديل ثقافة الدرجة، وإحلال ثقافة الفهم مكانها ليس بالأمر الهين، فهو يحتاج إلى سلسلة من المراحل المتدرجة، وهو في المقام عمل إنساني طويل الأمد يستشعر فيه ولي الأمر والمعلم وإدارة المدرسة عظم المسؤولية الواقعة على عاتقهم، فيؤدي كلٌّ دوره بصدق وأمانة بعيدًا عن أجواء الفرض والإجبار، وإنما الرغبة والأجر والقراءة المتأملة الواعية لفهم مصطلح عملية الفهم وعناصره ومعيقاته.

إن التعاون بين ولي الأمر والمعلم ومن ورائهم إدارة المدرسة لنشر هذه الثقافة؛ ستولّد لدى الطالب شغفا وحبا للعلم، حيث إن الفهم العميق للمعلومات هو المحرك له، بل وإنه سيطلب المزيد من العلوم والمعارف ويبحث عنها أينما وجدت، وكل ذلك يصب في مصلحته، ويهيؤه للمراحل اللاحقة، حيث التحديات أكبر، والفهم أعقد وأوسع.

إن أكثر ما يميز تحقيق ثقافة الفهم لدى الطالب في المجتمع المدرسي، أنها ستؤدي في نهاية المطاف وبصورة سلسة إلى تحقيق الدرجات التي كنا في أعلى درجات الحساسية تجاهها وكنا نطلبها بشدة، ولكنها هنا ستأتينا مغلفة بالفهم، وهذا ما يحتاجه الطالب لمواجهة عالم متطور لا يتوقف عن إنتاج المعارف والمعلومات والمهارات الجديدة في مختلف ميادين العلم.