آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

مختلفون بتميز

سهام طاهر البوشاجع *

يروي أحد الأقارب علينا هذه القصة، بينما نحن نشرب الشاي بعد غداء يوم الجمعة، في أحد تجمعات العائلة الأسبوعي، فيقول: بأنه لديهم زميل في العمل لا يجالس إلا البسطاء، وعندما سألناه بماذا تعني أو ترمز بكلمة البسطاء؟ أجاب أي الطيبين جدا «بزيادة» وهنا أمطرناه بوابل من الأسئلة، عن الأسباب والدوافع والأثر من هذه المجالسة أو هذه الصحبة، حينها أجابنا وقال: أنتم لا تدركون الحكمة كما أدركتها أنا، بعد فترة من التأمل والملاحظة، وعندما سألت نفسي مرارا وتكرارا عن تلكم الأسباب التي أنتم الآن تسألونها، وأظنني بعد مدة من المراقبة والتحليل، أدركت أن زميلنا يتعمد الجلوس مع هؤلاء الطيبين ”بزيادة“ لكي يشعر بالتميز، والاختلاف! أعلم بأن البعض منكم سيدهش بهذا التحليل، وهذه النتيجة، وربما لا تعجبه، فكيف يتميز شخص يحمل مثل هذه الأفكار على شخص طيب، ومن المختلف الآن هل الطيب؟ أم زميلنا هذا؟

في البداية دعونا نسلط الضوء على الأشخاص الطيبين جدا، من هم؟ وهل الطيبة صفة يجب أن يكتسبها أو يتحلى بها بعض الناس دون الآخرين؟ وهل هي شيء سيئ أم جيد؟ وماذا نعني بالطيبين ”بزيادة“ هل نعني الطيبة حد السذاجة؟ أم هي الطيبة المفرطة، التي تسلب الشخصية والإرادة؟

يقول الكاتب حسين البرغوثي في كتابه «الضوء الأزرق»: ”أحيانا اللطف مع الناس جريمة ضد النفس“ لماذا نفكر دائما بهذا التفكير؟ بل لماذا الطيبة الزائدة عدت من الجرائم؟ ومن صنع هذه الجريمة؟

نسمع كثيرا مقولة: ”مسكين طيب على نياته“ وهنا نفهم بأن هذا الشخص لربما قد استغل ماديا أو عاطفيا أو ضحك عليه أحد ما في أمر ما!.

خلقنا الله تعالى بشرا محبين وطيبين نحب الخير لأنفسنا ولجميع من هم حولنا، لم يخلقنا أشرارا ولا قاسين، بينما أجبرتنا الحياة لأن نغير فكرة الطيبة هذه ونصلبها رويدا رويدا مع مرور الأيام والسنين، وحسب الظروف والمواقف، فلا تنفع الطيبة الكثيرة في أمر يحتاج إلى قرار عقلي حاسم كأن يحتم مصيرك المستقبلي أو مصير أحد أبنائك مثلا، فحين تمنعه من قطعة الحلوى التي يحبها وهو يبكي، ويحزن قلبك على ذلك، أفضل بكثير من أن تجعله يتناولها، ومن ثم يرقد في المستشفى بسببها وهو لديه مرض كالسكري مثلا، فمن الأجدر أن تتصلب هذه الطيبة في قلبك وتتقهقر من أجل سعادة ابنك وسعادتك المستقبلية.

وهنا يرى البعض بأنك طيب القلب، لكن ليست طيبتك بمعنى السذاجة أبدا بل أنت واع جدا وليست طيبتك تافهة فأنت أب يعرف مصلحة ابنه جيدا، بل طيبتك هنا رحمة وذات حكمة، وهذا النوع من الطيبة يحتاجها الكثير، وهي بذات القوة التي تجعل الأشخاص المتصفون بها ”مختلفون بتميز“ ولكن ما الطيبة التي تسلب الإرادة وتجعل الشخصية مهزوزة وتصاحب فقط لأنها أقل مستوى من بقية السمات والسجايا؟

الطيبة الزائدة في مجتمع لا يرحم، ويتصارع من أجل العيش بشتى صنوفه، تعتبر سجية من السجايا المؤجلة أو المركونة على رف الاحتياط تستخدم في أوقات معينة وبسيطة فقط وليست سجية من سجايا البشرية التي لا بد من ظهورها دائما والتحلي بها، فأنت إن بقيت على سجيتك هذه، طيب القلب تسمح لأعذار كثيرة أن تدخل حياتك لهذا وذاك، وإن لم تحسن متى تقول: «لا» لمن يطلب منك حاجة وأنت غير قادر على تلبيتها، وتغلب طيبة قلبك على طاقتك وقدرتك، حينها ستدخل في دوامة «الندم» ربما أو دوامة «نبذ» النفس والشعور بالنقص والاختلاف عن بقية البشر، ستجد نفسك حين يصاحبك زميل قريبنا ذاك بأنك فقط كنت متكأً له كي ينهض، أنت تسمع ما يقول، ولكن لا يمكنك نقده، وأنت تعرف ما يخطط له أنه خطأ، ولكنك لا تستطيع أن تخطئه، وأنت تعرف تماما أنه قد يستغل طيبتك هذه لمصلحته الشخصية، ومع ذلك أنت لا تستطيع إنهاء هذه الصحبة لأنك ببساطة طيب القلب لا تنهي علاقات، ولا ترفض صداقات، ولا تسمح ليدك إلا أن تكون ممدودة لكل من يصافحها؛ ظنا منك أن الناس كلهم مثلك لا تعرف بأنهم مختلفون عنك بنواياهم وأنت متميز عنهم بطبيبتك.

في الطب يمكن تعريف الطيبة الزائدة بالإنجليزية: Compassion Fatigue على أنها وصف للتأثير الجسدي والعاطفي والنفسي لمساعدة الآخرين، وتصيب الطيبة الزائدة في الغالب الأشخاص المهنيين الذين يتعرضون لمدة طويلة لصدمات الآخرين، وبالتالي يكونون عرضة للإصابة بالصدمات الثانوية غير المباشرة، كما يمكن أن يتعرضوا لمشاكل حادة تعرض صحتهم العقلية والجسدية للخطر.

ما الحل إذن؟

كن طيبا لكن ليس طيبا «بزيادة».

كن مساعدا للآخرين، رؤوفا، عطوفا، متسامحا، واسمح للآخرين بمساحة من طيبتك لا كلها

كن طيبا ولكن بحدود، وتذكر هذه المقولة: "عندما تنكسر المرايا حتى الوجوه الطيبة تتشوه.

كن مختلفا ولكن بتميز.

كاتبة ومحررة في صحيفة المنيزلة نيوز