القديح وأبناؤها: ظاهرة فريدة تستحق الدراسة والتأمل
تحمل قرية القديح معها إرثًا ثقافيًا واجتماعيًا يستحق الاهتمام والدراسة العميقة. على الرغم من عدم اعتقادي بالقوقعة والمناطقية، إلا أنني لاحظت في أبناء القديح مزايا وخصائص فريدة قلما تجدها في مجتمع آخر.
ربما يكون هذا التميز مرتبطًا بتحديات الفقر والعوز التي عاشها سكان القديح في الماضي، فقد انبثق من هذا المعاناة إصرار غريب على التميز والنجاح في جميع المجالات. على سبيل المثال، نادي مضر الرياضي، رغم ضعف الموارد والبنية التحتية، يحقق انتصارات مذهلة على مستوى المملكة والخليج وحتى في آسيا في رياضة كرة اليد وغيرها. جمعية مضر الخيرية تبرز أيضًا بإدارتها المتميزة والاستثمارات الذكية والمساعدات التي تقدمها للمجتمع.
لا يقتصر التميز على المجال الرياضي والاجتماعي بل يمتد إلى الأكاديمي والعلمي والثقافي. شباب القديح يتميزون بالطموح والتفوق في مجموعة متنوعة من التخصصات مثل الطب والهندسة والعلوم المختلفة، ويتألقون على المستوى المحلي والعالمي. لا يمكن تجاهل دور القيادات الوطنية في دعم هذا الكفاءات الشابة.
رجال الأعمال في القديح يشكلون مثالًا للنجاح والتميز في مختلف المجالات. يقدمون إسهامات ملموسة في تطوير البلدة ولا يتوانون عن مساعدة الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، يتألقون بتواضعهم الفريد وأسمائهم اللامعة في عالم الأعمال.
قبل عقود من الزمن، كنت أتساءل عندما كانت نتائج الثانوية تُعلن عبر المذياع وتنشر في الصحف كيف أن الأوائل في المملكة كانوا من أبناء القديح، هذه القرية الوادعة. أتذكر في إحدى السنوات الأول والثاني في التحصيل العلمي كانا عبدالله تريك الأول والأستاذ السيد شرف السعيدي الثاني على مستوى المملكة.
في إحدى المناسبات، كنت في منزل الدكتور سعيد عطية أبو عالي، الذي كان مدير تعليم المنطقة الشرقية في وقت سابق. وعندما علم الحضور أنني من أهل القديح، تعجبوا من إصرار أهل القديح على النجاح والتفوق.
هنا، أتذكر حادثة غير عادية حيث أصر الدكتور سعيد عطية أبو عالي على مساعدتي عندما فقدت استمارتي في اختبار الثانوية. صباح ذلك اليوم، اصطحبني شخصياً إلى المدرسة في الدمام لأداء الاختبار؛ ومن ثم قام بمعالجة وضعي. هذا مثال على التواضع الفائق لمدير التعليم في الشرقية الذي قام بجهد شخصي لمساعدة طالب.
رجال القديح يعملون بلا كلل ولا ملل في سبيل نجاح نشاطات القرية الرياضية والاجتماعية والخدمية. ذكرى المرحوم علي الشيخ حسين والمرحوم أبو ناصر الخاطر والمرحوم الأستاذ جعفر الشيخ والأستاذ شرف السعيدي والأستاذ علي أحمد سلمان غزوي تظل حية في قلوبنا. هؤلاء الرجال كانوا مثالًا في الخلق والأخلاق، وكانوا يمثلون القديح بكل كرامة. وكان الأستاذ عبدالهادي الزين والأستاذ عبدالكريم الشيخ وغيرهم من جهابذة القديح الذين لو أردت أن أعددهم سأملأ صفحات طويلة. هؤلاء الأشخاص كانوا مفتاحًا للتميز والنجاح في مجتمع القديح.
أيضًا يجب أن نذكر بعض الأدباء المميزين في المنطقة مثل المرحوم السيد حسن أبوالرحي أبو أمجد، وأبو سيبويه، والأستاذ المؤرخ عبد الخالق الجنبي، والمرحوم أبو علي محمد توفيق. ولا يمكن نسيان دور مكتبة القديح التي كانت أول مكتبة في محافظة القطيف تستورد الكتب بشكل تجاري من الخارج من بيروت والقاهرة وبغداد ودمشق وعمان. كما أنها كانت تقوم بطبع ونشر كميات كبيرة من الكتب.
قرية القديح ليست فقط مليئة بالأفراد المميزين بل تحمل أيضًا تاريخًا من المصائب والتحديات. تحمل ذكرى حادث حريق القديح في عرس مؤلم وتفجير مسجد الإمام علي ذكريات حزينة. إلا أن هؤلاء الأبطال تجاوزوا هذه التجارب بشجاعة وتحدي، وواصلوا البناء والتطوير رغم كل الصعاب.
فعلى الرغم من التحديات والمصائب، تظل القديح قرية فريدة ومميزة تحتاج إلى دراسة مستفيضة لفهم ما يحفز سكانها على التميز والتفوق. إنها نموذج للمجتمع القطيفي المتميز الذي يساهم بفعالية في تحقيق رؤية المملكة 2030.
في الختام، يظهر القديح وأبناؤها كظاهرة فريدة ومثيرة تجمع بين التميز والتحديات. هذا المجتمع الوادع يحمل قصص نجاح وإصرار يستحقان الاحترام والاهتمام. إن تميز أبناء القديح في مختلف المجالات يعكس التفاني والروح المثابرة التي تعيش في هذه القرية.
نحن بحاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث لفهم جذور هذا التميز وكيف يمكن أن يكون قدوة لغيرهم. إن تاريخ القديح وإرثها الثقافي يجب أن يظلوا محفزًا لأبنائها للمضي قدمًا والمساهمة في تحقيق التنمية الوطنية.
في النهاية، نجدد اعتزازنا بالقديح وسكانها الرائعين، ونتطلع إلى مستقبل أفضل يحمل المزيد من الإنجازات والتميز. إنهم يثبتون دائمًا أنه بالعزيمة والإرادة يمكن تحقيق النجاح في أي زمان ومكان.