لا عمق للألم
هكذا صرخ الشاعر صلاح عبد الصبور: «.. لا عمق للألم، سأم.. لا طعم للندم» وحين نقرأ هذا لابد من أن نسأل عن السبب، فهو يرى أن هناك ألما، ولكنه بلا عمق؛ ونرى خطأ يرتكب، ولكنه يتكرر؛ لأنه لم يترك مرارة للندم في نفس مرتكبه، أي أنهما ألم وندم عابران سريعا الزوال. وإذا كان الألم سطحيا، فلابد أن يكون الفرح سطحيا كذلك. وهكذا سائر المشاعر الإنسانية التي تولّد أواصر انشداد المجتمع بعضه ببعض. وإذن فالمجتمعات العربية، تكون العلاقات فيها «بلا قلب» كما يعبر الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، تمر المشاعر على الوجوه بسرعة، كما يمر الضباب المتآكل.
لماذا يا ترى هذه الظاهرة السوداء المدمرة، التي راحت تغشى العالم الثالث كله؟ يقول اللسان: «السأم شعور ينتاب المرء عندما لا يوجد ما يستأثر باهتمامه» ويعني عدم الاهتمام انطفاء المشاعر تجاه شئون الحياة الشخصية والعامة. وإذا انطفت المشاعر تجاه كل شيء، فقد المرء المعنى الذي يربطه بالحياة، وأصبح ذاويا، بلا فعل له غاية.
ما الذي حدث؟
هل أصابنا الشلل النفسي، الذي أصاب العالم الغربي، والذي شخّصه هربرت ماركوز في كتابه «الإنسان ذو البعد الواحد» ذلك؛ لأن الإنسان ينطوي على أبعاد روحية كثيرة، وإذا فقد أو أفقد «بعدا من أبعادها» فقد جزءا من إنسانيته، وكلما فقد جزءا اقترب إلى أن يتشيّأ، وينعدم الفرق بينه وبين الآلة. والذي تنطفي مشاعره يفتقد أبعاده النفسية، وتصبح إرادته الهادفة معطلة. وقد حدد هربرت الأسباب التي حولت الأكثرية الأفقية في المجتمع الغربي إلى ذات بعد واحد، ومن أهمها:
1 سلب الكثرة الأفقية من «قوة العقل النقدية السالبة التي تتحرك دائما باتجاه ما يجب أن يكون، لا باتجاه ما هو كائن. وهذه القوة قوة أدلوجية. والحال أن المجتمع الغربي أحاط الأدلوجيا بالازدراء» وهذا الداء نفسه قد تسرب إلى العالم الثالث.
2 «إيهام الجماهير بأن السعادة قابلة للشراء» وهذا ما نشاهده في نمو النزعة الاستهلاكية عند الناس.
ذكرت هذين السببين؛ لأنهما تسربا فعلا إلى عالمنا العربي، وهناك بالطبع أسباب أخرى يعرفها من قرأ الكتاب، وأظن أنها في الطريق إلينا، بل أكاد أسمع أزيز الطائرة التي تحملها. هل يمكن تجنب هذا؟ يقول عالم الاجتماع الكبير الدكتور علي الوردي: كلا. لا عاصم من الطوفان.