أخلاق النبي الأعظم محمد (ص) وتحديات المرحلة
النبي الأعظم محمد ﷺ جاء في مجتمع صعب جداً في جاهليته فهو مجتمع له عادات وتقاليد وعبادة أوثان فجهازه المعرفي ملوث جداً من العصبية الجاهلية فأصبح يصارع في تغيير جهاز مفاهيمي كامل من المعتقد وحتى العادات والتقاليد وهذه مهمة غاية في الصعوبة فما هو المشروع النهضوي الذي رسمه رسول الله ﷺ والذي أرسى قواعده في مكة المكرمة وأثمر في المدينة المنورة وما كان عموده الفكري والثقافي الذي حمل لواءه أرواحنا له الفداء؟
1 من هو رسول الله ﷺ عند الله سبحانه وتعالى وعلى لسان المعصومين
2 - ما هو أكبر عامل اعتمد عليه رسول الله ﷺ في نشر الإسلام؟
3 - ما هو الشيء المهم الذي نريد أن نتبعه من سيد البشرية في هذا الزمان؟
آهات في بريق الهوى
ألم فقد النبي الأعظم ﷺ وغيبة إمامنا الحجة يشكل ألماً للمؤمن الغيور وفي نفس الوقت يضعه أمام مسؤولية أعماله وحمله أمانة الولاء داخل جوانحه ولذا نردد هذا الدعاء كي يكون لنا سلوة وحافزاً ورابطاً بيننا وبين من نحبهم ونهتدي بهداهم.
«اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا صلواتك عليه وآله وغيبة ولينا وكثرة عدونا وقلة عددنا وشدة الفتن بنا وتظاهر الزمان علينا فصل على محمد وآله وأعنا على ذلك بفتح منك تعجله وبضر تكشفه ونصر تعزه وسلطان حق تظهره ورحمة منك تجللناها وعافية منك تلبسناها برحمتك يا أرحم الراحمين» مفاتيح الجنان. وهنا نحتاج أن نقلب في صفحات النور من حياة النبوة كي نعرف ولو جزءاً يسيراً عن مقام النبوة لتتعلق قلوبنا بهذا النبي العظيم ولا يمكن الدخول في ساحة قدسه صلوات الله عليه إلا من خلال باب مدينة علمه أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي ثم نعرج على في تعريفه على بنت الوحي والرسالة وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء لننظر لعجيب خطابها وجمال بيانها في حق أبيها رسول الله ﷺ ثم نأخذ صفحة من بيان العبد الصالح ذو الجناحين جعفر الطيار وهو يعرف النبي الأعظم ﷺ لملك الحبشة. وهنا سنقف مع كلمات أمير المؤمنين في حق رسول الله ﷺ
أولاً: في مولده:
يقول أمير المؤمنين علي : «حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ اللهِ سُبْحَانَهُ إِلَى مُحَمَّد ﷺ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وَأَعَزِّ الأرُومَاتِ مَغْرِساً، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ، وَانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ، عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ، وَأُسْرَتُهُ خَيْرُ الأسَرِ، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ نَبَتَتْ فِي حَرَم، وَبَسَقَتْ فِي كَرَم، لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ، وَثَمَرٌ لاَ يُنَالُ» نهج البلاغة: 182 - 183.
ثانياً: في صفاته الشخصية
قال تعالى ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً «21»﴾ الأحزاب.
قال في حقه أمير المؤمنين
«فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى، وَبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى، وسِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ، وَشِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ وَزَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ; سِيرَتُهُ الْقَصْدُ، وَسُنَّتُهُ الرُّشْدُ، وَكَلاَمُهُ الْفَصْلُ» نهج البلاغة: 183
فقد سئل أمير المؤمنين عن رسول الله ﷺ كيف كان مع جلسائه.
فقال: كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفض، ولا غليظ، ولا صخاب، ولا فحاش، ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، فلا يؤيس منه، ولا يخيب فيه مؤمليه
م: معاني الأخبار - الشيخ الصدوق - الصفحة 83.
ثالثاً: في زهده في الدنيا يقول سيد الموحدين
«وَلَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللهِ ﷺ كَاف لَكَ فِي الأسْوَةِ، وَدَلِيلٌ لَكَ عَلَى ذَمِّ الدُّنْيَا وَعَيْبِهَا، وَكَثْرَةِ مَخَازِيهَا وَمَسَاوِيهَا، إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا، وَوُطِّئَتْ لِغَيْرِهِ أَكْنَافُهَا، وَفُطِمَ مِنْ رَضَاعِهَا، وَزُوِيَ عَنْ زَخَارِفِهَا» نهج البلاغة: 302.
بعد أن شنفنا أسماعنا من كلمات أمير المؤمنين نعرج على تعريف ابنة الوحي والرسالة سيدة نساء العالمين في حق أبيها رسول الله ﷺ
أسرار خلق المصطفى ﷺ على لسان بنت الوحي سيدة نساء العالمين الزهراء
«وَأَشْهَدُ أنّ أبي مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله عبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمّاهُ قَبْلَ أنِ اجْتَبَلَهُ، وَاصْطِفاهُ قَبْلَ أنِ ابْتَعَثَهُ... ابْتَعَثَهُ اللهُ تعالى إتْماماً لأمْرِهِ، وَعَزيمَةً على إمْضاءِ حُكْمِهِ، وَإنْفاذاً لِمَقادِير حَتْمِهِ. فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً في أدْيانِها، عُكَّفاً على نيرانِها، عابِدَةً لأَوثانِها، مُنْكِرَةً لله مَعَ عِرْفانِها. فَأَنارَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ ﷺ ظُلَمَها، وكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها، وَجَلّى عَنِ الأَبْصارِ غُمَمَها، وَقَامَ في النّاسِ بِالهِدايَةِ، وأنقَذَهُمْ مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وهَداهُمْ إلى الدّينِ القَويمِ، وَدَعاهُمْ إلى الطَّريقِ المُستَقيمِ.
إلى أن قالت: وكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ، مُذْقَةَ الشّارِبِ، وَنُهْزَةَ الطّامِعِ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ، تَشْرَبُونَ الطّرْقَ، وَتَقْتاتُونَ الْوَرَقَ، أذِلَّةً خاسِئِينَ، ﴿تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ﴾ فَأنْقَذَكُمُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِمُحَمَّدٍ صَلى الله عليه وآله..
ما أعمق كلامها وأجمل بيانها في حق أبيها فلا مزيد على ما ذكرته روحي لها الفداء في حق أبيها.
لنرى الآن وصف سيدنا جعفر الطيار رضوان الله عليه وهو يبين مكارم أخلاق رسول الله ﷺ
وصف جعفر الطيار رضوان الله عليه للنبي الأعظم ﷺ
أيها الملك، إنا كنا قوما في جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف. فكنا على ذلك حتى بعث الله عز وجل علينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا عليه نحن وآباؤنا من دونه، من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن التجاور، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن سائر الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا، وبالصلاة وبالزكاة والصيام. م: شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 6 - الصفحة 309.
إذا سبرت التاريخ لن تجد شخصية حملت لواء الأخلاق بكل صوره مثل رسول الله ﷺ وقد اتفقت قريش بأنه الصادق الأمين ومن يحمل هذه الصفتين فهي جامعة لمكارم الأخلاق والأدب
من أنصع صور الأخلاق التي جسدها رسول الله ﷺ
أ - تضحيته بجسده ومهجته ومشاعره في خدمة الدين تجد ذلك في صبره على أذى عمه أبي لهب وزوجته حمالة الحطب وقريش كبارها وصغارها.
ب - أذيته في دعوته من أهل الطائف حيث ضرب بالحجارة والعصي حتى أُدميَ روحي له الفداء.
يقول عبد الله: كأني أنظر إلى النبي ﷺ يحكي نبيا من الأنبياء، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»
ج - إيذاؤه في أتباعه الذين آمنوا به من قتل وتعذيب دونك ما فعلوه في والدي عمار بن ياسر رضوان الله عليه.
د - هجرته من مسقط رأسه ورحم مولده مكة المكرمة وألمه الشديد على فراق زوجته خديجة «ر» وعمه أبي طالب بعد بقائه في مكة خمسين سنة من عمره الشريف.
ه - صبره على الجهاد في سبيل الله ومؤامرات المنافقين وأعداء الدين والمتربصين في وحدة المسلمين.
مثل معركة أحد حين حمل عليه خالد ابن الوليد من ظهره فقد ذكر في التاريخ أنه وجاء من ظهر رسول الله ﷺ يريده، فنظر إلى النبي في حف من أصحابه، فقال لمن معه: دونكم هذا الذي تطلبون، فشأنكم به، فحملوا عليه حملة رجل واحد ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح ورميا بالنبل ورضخا بالحجارة.. الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 1 - الصفحة 82
وإذا أردت أن ترى عظيم أخلاق رسول الله ﷺ تجدها عند تمكنه منهم ومعاملته الصادقة والرحيمة بهم.
فأعلى درجات الأخلاق التي جسدها رسول الله ﷺ في يوم فتح مكة.
قال في فتح مكة «فأخذ علي اللواء وجعل ينادي: اليوم يوم المرحمة، ونادى منادي رسول الله ﷺ من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، وأوصى المسلمين أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، فلما دخل جاء حتى انتهى إلى المسجد الحرام أخذ بعضادة الباب قرأ «لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده» وقف أبو سفيان ومعاوية وجميع قريش خائفين فقال النبي ﷺ يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم لقد قدرت، فبكى رسول الله ﷺ وقال: ما أقول لكم إلا ما قال أخي يوسف ﴿لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين﴾ ألا لبئس جيران النبي أنتم فلقد كذبتموني وطردتموني وآذيتموني وأخرجتموني ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني، اذهبوا فأنتم الطلقاء، فكأن هذه العبارة صارت علما لهؤلاء من ذلك اليوم.
وقال ﷺ ما أوذي نبي مثل ما أوذيت م: شجرة طوبى - الشيخ محمد مهدي الحائري - ج 2 - الصفحة 303.
عترته الطاهرة حتى يومنا الحاضر فقد لحقوا عترته تحت كل حجر ومدر وقتلوهم وسبوا نساءهم وتبعوا شيعتهم في كل مكان.
هنا نريد أن نغرف من كلمات النبي الأعظم محمد ﷺ ما يعننا على زادنا في هذه الدنيا ويكون لنا شفيعاً يوم القيامة فقد روى الصادق أن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه، فلما أكمل له الأدب.
قال: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده.
جاء في حديث أن رسول الله ﷺ قال: ”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق“
وقال ﷺ إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار.
وورد عنه أيضاً ﷺ: ”ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن“.
ونقل عنه ﷺ أنه قال: ”أحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون. وأبغضكم إلى الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الإخوان، الملتمسون للبراء العثرات“
عن رسول الله ﷺ: ”أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق“
عنه ﷺ أنه أمر النبي مناديا ينادي من لم يتأدب بأدب الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات.
م: ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - الصفحة 58.