هل الثقة في بعض الثقافات أقل من الثقة في غيرها
31 يناير 2018
بقلم إيڤا كروشكو: طالبة ما بعد الدكتورا في علوم الصحة والسيكولوجيا في جامعة ليشستر، وأندرو كولوم استاذ السيكولوجيا، وبريونس بالفورد الاستاذة المشاركة في السيكولوجيا جامعة ليشستر
المترجم: عدنان احمد الحاجي
المقالة 253 لسنة 2023
?Are some cultures less trusting than others
January 31,2018
Eva M Krockow، postdoctoral research associate in health sciences and psychology، University of Leicester، Andrew M Colman، professor of psychology، University of Leiceste، and Briony Pulford، associate professor in psychology، University of Leicester
الحائز على جائزة نوبل كينيث أرو Kenneth Arrow وصف مرة الثقة [1] بأنها ”مادة تشحيم النظام الاجتماعي،“ فالتبادل الاقتصادي، على وجه الخصوص، يكاد يكون مستحيلاً من الناحية العملية دون أن يكون هناك على الأقل بعض الثقة. على الرغم من محاولة الأسواق والمحلات التجارية والتجار عبر الإنترنت الحد من عدم اليقين من خلال مراجعات العملاء [تقييم العملاء للمنتج أو الخدمة وهي عبارة عن تغذية راجعة من العميل يستفيد منها التاجر [2] ] أو سياسات «قوانين» إرجاع المشتريات، يتعين على المستهلكين أن يقرروا بأنفسهم ما إذا كانوا سيثقون في شركاء تجاريين غير معروفين يطلقون على أنفسهم عناوين مبهمة مثل: Mae.B.O'Frawd_101 ويدفعون مقابل شراء أجهزة هواتف مستعملة، أم لا.
وهناك مستوىً آخر من التعقيد يضاف إلى سرعة العولمة [3] التي تقرِّب الناس من جميع أنحاء العالم معًا. مع تزايد أعداد زملاء وشركاء أعمال ومتعاونين دوليين، يصبح من الصعب معرفة الجدير بالثقة منهم. الثقة يمكن ان تؤثر في وسائل التواصل بين الناس، وأخلاقياتهم وآدابهم السلوكية «الإتيكيت» في مكان العمل [4] ، وبحسب التسلسل الهرمي التنظيمي فيه، والتي قد تُشكٍّل جميعُها عقبات مهمة في التعاون على المستوى العالمي. ومن أجل ضمان نجاح التجارة العالمية، نحتاج إلى فهم وتقبل الفروق الثقافية فيما يخص الثقة عند مختلف الثقافات.
في بحثنا الأخير[5] ، شرعنا في للقيام بذلك بالضبط. ونظرًا لتركيزنا على عملية الثقة في التفاعلات الاقتصادية، قررنا مقارنة الدول ذات التنمية الاقتصادية [6] المتشابهة [7] ولكن بخلفيات ثقافية مختلفة. وعلى هذا النحو، ركزنا على اليابان والمملكة المتحدة، اللتين تتماثلان تقريبًا في مستويات متطابقة من التنمية والناتج المحلي الإجمالي [8] للفرد، ولكن لهما ثقافات مختلفة جدًا. اليابان مُتأثرة بالتنافس على النفوذ بين الشنتو والديانات البوذية [9,10,11] وقيم جماعية [12] ، والتي تعطي الأولوية للجماعة على الفرد. ومن ناحية أخرى، تتميز المملكة المتحدة بقيم مسيحية أو إنسانية [13] إلى حد كبير وفيها تُعتمد الثقافة الفردانية [14,15] على مستوى الحرية الشخصية والاستقلالية.
الثقافات المختلفة لكلا البلدين انعكست علي طريقة تنظيم مجتمع كل منهما. يتألف المجتمع الياباني من مجتمعات متماسكة بروابط قوية بين الأشخاص. في الإطار المهني، هذا يتجلى في مجموعات «شركات» أعمال موالية «ما يسمى ب ”كيريتسو «Keiretsu»“ [16] وعمليًا الوظيفة مدى الحياة مع نفس الشركة. ومن ناحية أخرى، ريادة الأعمال [17] الغربية في المملكة المتحدة تركز بشكل أکبر على الابتكار، بما في ذلك من خلال دوران الموظّفين «employee turnover» «دخول وخروج الموظّفين إلى أحد الأقسام / الإدارات أو منه». هذا الفهم المختلف لإدارة الأعمال جنباً إلى جنب مع الاختلافات بين الثقافات في مستوى الثقة والإقدام على المخاطرة «المجازفة» هي عوامل مهمة على الأرجح في تحديد نجاح العلاقات التجارية الدولية.
الجماعية أو الفردانية
وقد حاول الباحثون اليابانيون بالفعل من الناحية العلمية قياس وتقدير الثقة كميًا في الثقافتين اليابانية والأمريكية وذلك بعمل تجارب منضبطة باستخدام مهام اتخاذ القرار [18] مدعومة بالحوافز «ما يسمى بالألعاب التجريبية [19] لاختبار كيف يتخذ المشاركون قرارات [20] تفاعلية في سياقات مالية محفوفة بالمخاطر أو غير مؤكدة. وتكشف النتائج أن الشعب الياباني يبدو عمومًا أقل ثقة بالغرباء من الغربيين [21] . وقد وجد أن هذه النتيجة تتعزز لو شك اليابانيون في أنهم شاركوا بأي علاقات شخصية فيما بينهم مع غرباء مشكوك فيهم «غير موثوقين».
ولذلك قد يبدو أن البحوث السابقة تشير إلى أن الثقافات الجماعية، كالثقافة اليابانية، أقل ثقةً من الثقافات الفردانية كثقافة الولايات المتحدة والبريطانية. ولكن نتائج المتابعة تكشف أن العلاقة بين الثقافة والثقة هي في الواقع أكثر تعقيداً. وقد وجدت التجارب المصممة بعناية أنه على الرغم من انخفاض مستويات الثقة في البداية تجاه الغرباء، فقد زادت ثقة وتعاون اليابانيين عندما شهد المشاركون إحساسًا أكثر بالسيطرة على الوضع، عندما كان تصرفهم قد سبقه تصرف تعاوني من قبل الشخص الآخر، وعندما تعاملوا مع شخص كانوا قد تعاملوا معه من قبل.
وقد تبين من التجربتين الجديدتين أن المشاركين اليابانيين كانوا في الواقع أكثر ثقة من المشاركين البريطانيين عندما يتعلق الأمر بحالات اتخاذ قرار متكررة تتميز بالعلاقات المتبادلة والطويلة الأجل مع نفس الشخص الآخر. وعلاوة على ذلك، وجدنا أن اليابانيين كانوا في الواقع أكثر استعدادًا من البريطانيين للالتزام المُكْلف بالعلاقات عندما تحد هذه الالتزامات من المخاطر المالية المنطوية في اتخاذ القرار.
وبالنظر إلى هذه النتائج الأكثر تعقيدا، يبدو أننا طرحنا سؤالاً خاطئاً. ولعل الثقافات لا تختلف في مقدار الثقة ولكن في نوع الثقة التي تظهرها. إن نظرية الثقة النافذة «المؤثرة» [23,24] التي طرحها باحث علم النفس الياباني المتميز توشيو ياماجيشي Toshio Yamagishi تدعم هذا الرأي.
طيف يتراوح من عدم الثقة «الخوف» إلى تقة عالية [23] ،
يميز ياماجيشي بين نوعين مختلفين من الثقة: الثقة العامة والثقة القائمة على الإطمئنان «assurance-based trust». وفقا لهذه النظرية، الثقافات الغربية الفردانية مثل ثقافتي الولايات المتحدة وبريطانيا تظهر ثقة أكثر تلقائية تجاه الغرباء «الثقة العامة». وعلى النقيض من ذلك، تتميز الثقافات الشرقية الجماعية مثل اليابان بنوع من الثقة المتبادلة تجاه الذين تعاملوا معهم سابقاً «الثقة القائمة على الإطئنان».
لذلك عند تبني تعاون تجاري في اليابان، أكبر عقبة هي انشاء علاقة، وذلك بسبب عدم وجود ثقة عامة لدى اليابانيين. ولكن بمجرد أن يؤسس لهذه العلاقة، فإن المستوى العالي من الثقة القائمة على الاطمئنان يعني أن الصفقات التجارية المعقدة قد تكون مختومة بشكل غير رسمي على الهاتف «تعليق من المترجم: هذه استعارة تعني ان مستوى الثقة قد وصل إلى مستوى بحيث تعقد الصفقات على التلفون - بدون حتى يكون هناك التقاء حضوري بين أطراف الصفقة»، مما يجنب الفحوص الخلفية التي تستغرق وقتاً طويلا، أو الحاجة إلى عقود إضافية أو حتى معاملات «اعمال» ورقية.
هذا البحث في نواحي الثقافات يدل على أن ثقافتنا لا تؤثر بالضرورة في مدى ثقتنا، ولكن كيف نثق «اسلوب ثقتنا». يجب على الشركات أن تضع ذلك في اعتبارها أثناء عملها في السوق الدولية وسعيها للتعاون العالمي. ولا ينبغي لنا أن نخطأ ونخلط بين الثقة والصدق [25,26] ما إذا كان الشخص جديرًا بثقتنا تُعتبر مسألة مختلفة تماماً.