تنمية الفراغ الحضري.. نحلم ونحقق
في السنوات الأخيرة أولت الأمانات والبلديات في المملكة اهتماما كبيرا لتطوير المدن وتنميتها، وبالرغم من أن هذا التعميم ليس على إطلاقه، إلا أنه أصبح واقعا ملموسا يمكن مشاهدته في بعض مدننا، ومن أهم مظاهر هذا الاهتمام هو التركيز على الفراغ الحضري
ونقصد بالفراغ الحضري هو كل مكان ليس فيه بناء ويؤدي وظيفة حضرية سواء كانت طبيعية أم اجتماعية أم ثقافية أم اقتصادية، ويشمل ذلك عناصر الحركة كالشوارع وأرصفة وجسور المشاة، كما يشمل جميع المساحات المخصصة: مثل المدارس وملاعب الأطفال والمرافق الأخرى
إن الفراغ بمفهومه العام هو الذي يضيف التميز والجمال في المنازل والقصور، أما الفراغ الحضري فهو ميزة جمالية وبنية تحتية لمعايير أنسنة المدن، ويحتاج إلى توظيف يبرزه كعنصر فاعل في تسهيل الاستخدامات الإنسانية في المدن سيما المدن الصغيرة، حتى يستفيد منه إنسان اليوم، كما يستفيد منه أبناء مدن المستقبل، سواء في الأوقات العادية أو في حالات الطوارئ والأزمات المتوقعة وغير المتوقعة
«المدينة ليست مجموعة مخططات سكنية فقط»، عبارة تتكرر - ربما - في كل محفل يناقش تخطيط وتطوير المدن، فهي من جانب تؤكد على أهمية التواصل البشري وأهمية تمكين سكان المدينة بمختلف الفئات العمرية والاجتماعية من القيام بنشاطات لا يمكن القيام بها داخل الوحدات السكنية للترويح عن النفس والراحة البدنية والنفسية، ومن جانب أخر تؤكد على أهمية الارتقاء بنمط الحياة في المدينة.
فلا بد أن يكون بناء الفراغ الحضري بكل تفاصيله ضمن العناصر الرئيسة في الاستراتيجية المحلية للمدن.
الجميلة مدينة الخبر، هي مثال رائع، فبعد أن قامت البلدية هناك بتغيير المفهوم السائد للمدينة من خلال إدارة وهندسة الفراغ الحضري فيها من خلال عدد من المشاريع والمبادرات التي تستهدف الإنسان كمجموع، لقد انعكس هذا التغيير على سكان المدينة، وأصبحنا نشاهد عددا من المبادرات الأهلية المجتمعية المبتكرة الخلاقة، وهو ما يمكن ملاحظته ومقارنته بالسابق أيضا، كما أصبحت الخبر الجميلة الآن كمثال أفضل مكان مهيأ لاحتفال أهالي المنطقة الشرقية في مختلف المناسبات الوطنية وغيرها.
إن التحديات المختلفة التي تواجه المدن الصغيرة تتطلب إعادة الاعتبار للفراغ الحضري وتفعيله بالشكل الذي يتناسب مع هذه التحديات، ولعله يمكننا القول بأنها أشبه بالفرصة الثانية لتحسين المشهد الحضري وبالتالي تحسين جودة الحياة بها ورفع مؤشرات التنمية المحلية.
قديما وبسبب عدم وجود تخطيط، كان هناك مصطلح يسمى الاستطراق، ويعني طلب حق المرور في أرض الغير، وهو مصطلح فقهي ومعتبر في أروقة القضاء، وربما نحن اليوم في حاجة إلى استطراق آخر حديث لاجتياز طريق الوصول إلى بناء وهندسة الفراغ الحضري في المدن الصغيرة.